الصراع بين جماعة الخدمة في تركيا ورئيس الوزراء الذي هو واحد منها والخارجين منها ليس بعيداً عما يحدث وحدث في مصر من علاقة بين الدكتور محمد مرسي الرئيس المعزول وجماعة الإخوان المسلمين بعد توليه الحكم وأصبح السؤال الذي يشغل الكثيرين في مصر: لماذا وقف الشيخ فتح الله كولن في وجه تلميذه الطيب أردوغان وأصبح يهدد استمراره كرئيس وزراء في حين لم يتخذ الرئيس محمد مرسي قراراً إلا بعد موافقة الجماعة سواء أكان موافقاً عليه أو معترضاً عليه. وهل سقوط أردوغان يضر بجماعة الخدمة في تركيا. أم أن تصميم مرسي علي عدم مخالفة الإخوان هو الذي أضر بالجماعة..؟ وما هو الصواب والخطأ ولماذا اختلفت التجربتان في الاختيار بين ما هو مبدأ وما هو شخصي..؟ الدكتور هدي درويش رئيس مركز الدراسات التركية في جامعة الزقازيق تجيب علي هذه الأسئلة في حوارنا معها. * ما حدث في تركيا من صراع بين ما هو ديني وما هو سياسي.. هل هو ردة فعل لما حدث في مصر..؟ ** ما حدث في تركيا ليس ردة فعل لما حدث في مصر وإن كان ما حدث في مصر قد ثار جدلاً واسعاً حول حقيقة ما يجري وجري في مصر. كما أنه ألقي بظلاله علي التجربة التركية بل من المؤكد أن سقوط الإخوان في مصر أحدث دوياً هائلاً علي صعيد الحركات الإسلامية في العالم أجمع» فمنها من وقف يتدبر ويتنكر ويراجع ومنها من امتعض و انفعل في ردة فعله بشكل لا يتصف بالمعقولية المطلوبة في قلب الأزمة.. وتستطيع أن تقول إن الإسلاميين انقسموا إلي فريقين كبيرين. هما حركات سلطوية تدعم بقاء الإخوان وتناصرهم بصرف النظر عن صوابهم أو خطأهم. وجماعات أخري رافضة لعنف المواجهة مع الشعوب وتري أن ما حدث لهذه الجماعة في مصر هو نتيجة لانحرفها عن الأساس الذي قامت من أجله. وهو الدعوة والأعمال الخيرية والخدمة المجتمعية. * إذن ما حدث في تركيا انعكاس لسقوط الإخوان..؟ ** تستطيع أن تقول إن ما حدث في تركيا وما يتبعه من محاكمات واعتقالات وتحقيقات هو انعكاس لحالة الخلاف الفكري التي أحدثها سقوط الإخوان وليس لعملية السقوط نفسها.. بل إننا نري أن ردة فعل الحكومة التركية كانت أشبه بردة فعل الإخوان هنا. فرغم ان الفساد المعلن عنه في تركيا وتؤيده أوراق رسمية ووثائق هو في حد ذاته فعل مدني خالص إلا أن جماعة رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء تصر علي إلباسه لباساً دينياً وتتجه لاتهام أتباع حركة فتح الله كولن بتدبير مثل هذه المكائد وما بين هذا وذاك يدور المجتمع التركي في فلك الخلاف والنزاع والشقاق. * هل ترين ان منطلقات الإخوان الفكرية أم انهما مختلفان..؟ ** المنطلقات الفكرية لكلا التيارين مختلفة تماماً. فحركة الإخوان حركة سياسية منذ نشأتها تقريباً وتبحث عن تولي الحكم.. أما حركة الخدمة فهي حركة دعوية بدأت منذ الستينيات بهدف نشر القيم الخلقية في المجتمع وكان هدفها علي طول الخط صناعة الإنسان كما أنها لا تعرف الإقصاء. فليس لديها منهج ما هو إخواني وما هو غير إخواني. وإنما رفعت شعار الخدمة للجميع. وقد عرفت مؤسسها الشيخ الداعية فتح الله كولن أول ما عرفته من خلال كتاباته خاصة كتاب التلال الزمردية نحو حياة القلب والروح. وهو كتاب يتحدث عن التصوف من حيث معناه وسلوكه الروحي وأحواله. وكان باللغة التركية حيث بدأت في ترجمته وما أن شرعت في ذلك ترجمة المقدمة حتي أدهشتني روحه الطاغية المعبرة عن قوة إيمان وصدق توجه ووجدت أنه يكتب بوجدانه وأحاسيسه. وكان هذا شعور يتأكد كلما تقدمت في قراءة الكتاب وترجمته وهو ما وجدته في أعماله كلها والتي قرأتها بعد ذلك. 1⁄4 وباعتبار أن لكم دراية واسعة بتجربة الخدمة في تركيا فما هي الفروق بينها وبين الإخوان المسلمين في مصر؟ 1⁄41⁄4 في كلمة واحدة فإن الخدمة أو فتح الله كولن يدور حول ميدنه وما يؤمن به حيث دار فإذا ما حاد الأشخاص عن هذا المبدأ واجههم بذلك وأعلن رأيه في المقابل فإن الإخوان يدورون حول الجماعة ومصالحها حيث دارت فإذا كانت مع الحق أيدوا الحق فإذا انحرفت مصالحها عن الحق أيدوا الجماعة فالجماعة أولاً وأخيراً لذلك لم نجد أي خلاف حتي في وجهات النظر بين أعضاء الجماعة وتقلبات توجهات القيادة فيها ومن اختلف معها فصل من الجماعة واعتبر منشقاً فهي جماعة لا تطيق اختلاف وجهات النظر في المقابل وجدنا فتح الله كولن يختلف مع نجم الدين اربكان ويواجهه بخطأ سياساته رغم أن تجربة اربكان كانت التجربة الأولي للإسلاميين في تركيا ومن الطبيعي أن يحرص الإسلاميون علي نجاحها بأي شكل حتي ولو برروا اخطائها إلا أن منهج فتح الله كولن ضحي بما يقال عنه المصلحة وأعلن ما يراه صواباً عندما رأي رئيس الوزراء ينحرف ويوظف الدين توظيفاً سياسياً وهو ما تم مع أوردعان. ففتح الله كولن صاحب مشروع إسلامي كبير يحرص فيه علي صناعة الإنسان ليكون إسلاماً يمشي علي الأرض بل أنه حينما بدأ يعد أتباعه لتكون نماذج إسلامية جيدة كان يدرس لهم حياة الصحابة وكان يقول لهم كونوا كالصحابة أو موتوا وهو ما وقفت عليه حينما زرت تركيا حيث وجدت جماعة تمارس الخدمة بمعني هذه الكلمة في كل المجالات تقدمها للآخرين بحب ورضا سواء أكانوا من الجماعة أو غير الجماعة وتحرص علي قضية التربية الروحية لأبنائهاه باعتبار أن هذه التربية الروحية هي العمود الفقري للخدمة. 1⁄4 تري هل يستطيع أوردغان أن يقضي علي مثل هذه الجماعة خاصة وأنه اتهمها بالإرهاب وقرر إغلاق كثير من أنشطتها ووصفها بأنها دولة داخل الدولة؟ 1⁄41⁄4 من يتأمل الأزمات التي وجهها أوردغان لحركة الخدمة التي تحرص ألا يكون لها علاقة بالسياسة نجده استخدم نفس الاتهامات التي رفضت أن توجه للإخوان في مصر فقد هاجم إعلان الإخوان إرهابية وهاجم تجميد أموالها ومع ذلك فقد قام بالتصرف نفسه في تركيا.. رذا عدنا لعلاقة الجماعة به وامكانية القضاء عليها فيجب أن تعرف أن حركة فتح الله كولن أيدت حزب العدالة والتنمية وساعدته علي الصعود لسدة الحكم عن طريق الانتخاب منذ البداية بهدف الارتقاء بالدولة وترسيخ قواعد الديمقراطية وتحقيقاً لمطالب الشعب في الحصول علي الحرية والعدالة وحقوق المواطنين إلا أنه مع تراجع الديمقراطية في تركيا وظهور قضايا فساد ورشوة تورطت فيها قيادات الحزب ووصلت رائحة الفساد إلي كل مكان ورفض أوردغان اتهام رجاله بذلك ووقف في وجه القضاء والعدالة كان علي الحركة أن تختار ببين المبدأ وبين الأشخاص أو الحزب الذي تؤيده فاختارت المبدأ والحق مهما كانت النتائج لذلك كان الهجوم الشرس عليها من قبل السلطة الحاكمة خاصة وأنها حركة مسموعة الكلمة وتلقي تأييداً من فئات كثيرة وكبيرة في تركيا بل في العالم لانها تمثل نموذجاً لمؤسسة مدنية كبيرة تسعي للاصلاح المجتمعي والتنشئة الصحيحة لأفراد المجتمع تقوم علي نبذ العنف ومد يد العون لكل من يحتاج أو يستحق بصرف النظر عن انتمائه وتحرص علي بناء جسور المحبة والاحترام بين مختلف الجنسيات. 1⁄4 لكنها هي الأم لحزب العدالة والتنمية؟ 1⁄41⁄4 هذا هو الفارق بينها وبين الإخوان بالنسبة لحزب الحرية والعدالة فعندنا الإخوان هم الحرية والعدالة الحرية والعدالة هو الإخوان لكن حركة الخدمة في تركيا تحرص علي ألا تنتمي لأي حزب وبمجرد تولي فرداً فيها منصباً سياسياً يصبح بعيدا ًعن الحركة فقد يكون من أبنائها أعضاء في أحزاب لكن صلتهم تنقطع بها لمجرد الدخول في العمل السياسي فهي حركة كما قلت تهدف إلي تنشئة إنسان يتحري العدالة مع نفسه ومع الآخرين.. صادق مع نفسه ومع الآخرين. 1⁄4 هل الحركة كانت وراء كشف الفساد في حكومة أوردغان كما قال؟ 1⁄41⁄4 المؤكد أن الحركة علي مدي سنوات ارستلت إلي أوردغان اشارات وتلميحات بفساد يحدث وحذرته من شخصيات حوله ليست فوق مستوي الشبهات وكان هذا من قبيل النصح الاخوي وليس تدخلاً في عمله لكنني لا اعتقد أنها كانت وراء كشف قضايا فساد للقيادات الحكومية لأن هذا عمل يحتاج إلي جهود شرطية ونقابية لا تتوفر للحركة بل أن الحركة تحرص علي ألا تتدخل في مثل هذه الأمور لكن الذي حدث عندما لم تؤيد الحركة متمثلة في فتح الله كولن إجراءات أوردغان القمعية ضد مكتشفي جرائم الفساد وجدناه يكيل لها الاتهامات فاعتبرها سبباً في كشف هذه الجرائم ووصفها بالدولة الموازية التي تسعي للوصول للسلطة وناصب كل من يرتبط بهذه الحركة العداء بل أنه سعي إلي اغلاق معاهد ومدارس الحركة أو الخدمة وهي مدارس رسمية تدرس المنهج الدراسي التركي دون تغيير كما ان بها معاهد مهمتها تأهيل خريجي الثانية لدخول الجامعة وتجذب أعداداً ضخمة من أبناء تركيا لما تتميز به من دقة ومهنية.