عرفنا أن حق التملك حق إنساني لا يتفاوت فيه الناس باختلاف السن أو الجنس أو الدين. وقد وضحنا بالدليل الشرعي تأكيد حق التملك للصغير كالكبير. وللمرأة كالرجل. ونذكر فيما يلي الدليل الشرعي لتأكيد حق التملك لغير المسلم والأثر الفقهي علي إنسانية هذا الحق. ذلك أنه لا خلاف بين الفقهاء علي أن غير المسلم ممن له عهد أو أمان يملك كما يملك المسلم. فأخرج أبوداود عن صفوان بن سليم. أن عدة من أبناء أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم عن آبائهم دنية عن رسول الله صلي الله عليه وسلم. قال: "ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة". يقول ابن القيم: "ثبت عن النبي. صلي الله عليه وسلم. أنه اشتري من يهودي سلعة إلي الميسرة. وثبت عنه أنه أخذ من يهودي ثلاثين وسقاً من شعير. ورهنه درعه. وفيه دليل علي جواز معاملتهم. ورهنهم السلاح. وعلي الرهن في الحضر. وثبت عنه أنه زارعهم وساقاهم. وثبت عنه أنه أكل من طعامهم. وفي ذلك كله قبول قولهم: إن ذلك الشيء ملكهم. وقد كان التجار غير المسلمين يرحبون بالتعامل مع النبي صلي الله عليه وسلم بالأجل لما اشتهر عنه من صفتي الصدق والأمانة. وكان بعض هؤلاء التجار يشترط رهناً لضمان حقه في السداد. نظراً لقلة الثروة آنذاك. فقد أخرج البخاري عن عائشة. قالت: اشتري رسول الله صلي الله عليه وسلم من يهودي طعاماً بنسيئة ورهنه درعه. وعند ابن ماجة عن ابن عباس. أن رسول الله صلي الله عليه وسلم مات ودرعه رهن عند يهودي بثلاثين صاعاً من شعير. وكان بعض آخر من التجار غير المسلمين لا يرحب بالتعامل بالأجل مع النبي صلي الله عليه وسلم لخشيته أن يكون اختلاف الدين سبباً للظلم والمماطلة. فأخرج أحمد والترمذي وصححه. عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ثوبان قطريان غليظان فكان إذا قعد فعرق ثقلا عليه. فقد بز من الشام لفلان اليهودي. فقلت: لو بعثت إليه فاشتريت منه ثوبين إلي الميسرة. فأرسل إليه. فقال: قد علمت ما يريد. إنما يريد أن يذهب بمالي أو بدراهمي. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: كذب قد علم أني من أتقاهم لله وآداهم للأمانة. أي أن ديني يأمرني بذلك. وأخرج أحمد عن أنس بن مالك. قال: بعثني رسول الله صلي الله عليه وسلم إلي حليق النصراني ليبعث إليه بأثواب إلي الميسرة فأتيته. فقلت: بعثني إليك رسول الله صلي الله عليه وسلم لتبعث إليه بأثواب إلي الميسرة. فقال: وما الميسرة. ومتي الميسرة؟ والله ما لمحمد سائقة ولا راعية. فرجعت فأتيت النبي صلي الله عليه وسلم فلما رآني قال: كذب عدو الله أنا خير من يبايع لأن يلبس أحدكم ثوباً من رقاع شتي خير له من أن يأخذ بأمانته. أو في أمانته ما ليس عنده. وقد عامل النبي صلي الله عليه وسلم غير المسلمين بالمزارعة في أرض خيبر فأخرج مسلم عن ابن عمران أن رسول الله صلي الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما خرج منها من زرع أو ثمر. والأثر الفقهي المترتب علي إقرار حق التملك للإنسان دون التمييز بالسن أو الجنس أو الدين هو تحريم مال الغير. ذلك أنه إذا ثبت الملك حرم الاعتداء عليه لقوله تعالي: "ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل" "البقرة:188" وأخرج البخاري من حديث أبي بكرة. ومسلم من حديث جابر. أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم. يقول إمام الحرمين: القاعدة المعتبرة أن الملاك مختصون بأملاكهم. لا يزاحم أحد مالكاً في ملكه من غير حق مستحق. ثم قال: فالأمر الذي لا شك فيه تحريم التسالب والتغالب ومد الأيدي إلي أموال الناس من غير استحقاق. وهكذا جاءت الشريعة الإسلامية لتأمين الناس في أموالهم وممتلكاتهم ومخصصاتهم. كحق إنساني لا يتفاوت فيه الناس. مهما اختلفت أعمارهم أو أجناسهم أو دينهم.