سكان المراكب.. شريحة طالما تجاهلها المجتمع ولا نملك عنها احصاء رسميا حتي الآن.. هذه الشريحة طالها التدهور الاقتصادي كغيرها.. سكان النهر قالوا ل "الجمهورية" انهم ورغم انه لا أحد مسئولا عنهم إلا انهم مطاردون بالضرائب وشرطة المسطحات يحلمون بسكن قريب من الشاطيء ونقابة تدافع عنهم. طي النسيان في البداية يقول جمال الدجوي ان حياته كلها في البحر ولد في أسرة صياد ومركبه بيته. ثم يضيف: تزوجت ورزقت بالأولاد فيه. معربا عن رضاه لتلك الحياة وانها أفضل من حياة المدن بضوضائها وتلوثها وهمومها فضلا عن ان السكن علي البر فوق طاقتنا. وفي لهجة هادئة جدا يضيف: زمان الرزق كان وفيرا والآن نعمل شهرين أو ثلاث في السنة لقلة الأسماك في نهر النيل بعد تعرضه للتلوث ولا يؤرقنا غير الضرائب العالية علي المراكب التي تقصم ظهورنا وتحاول جمعية الصيادين بإعادة الحياة للنهر بالتبليغ عن الصيادين الذين يستخدمون الكهرباء في الصيد أو غيرها من الطرق التي يعاقب عليها القانون لكننا نشعر بأننا ليس حق في الدولة فنحن في طي النسيان. زريعة الأسماك أوضح الدجوي ان اهمال الثروة السمكية وعدم إلقاء زريعة جديدة بالنهر والتعرض المستمر للمضايقات من شرطة المسطحات المائية ومراقبة تحركاتنا وفرض إجراءات معقدة جعلتنا غير قادرين علي التنقل بحرية خاصة بعد أن أصبح النهر الملاذ لكثير من الأسر من قرية واحدة فقط بالمنوفية يوجد أكثر من 1000 أسرة تمتهن الصيد وتعيش من رزقه وتسكن نهر النيل. نقابة الصيادين "أنا مثل كل الصيادين" بتلك العبارة بدأ عم شعبان كلامه: ورثت المهنة عن ابائي وأجدادي أعرف البحر أكثر مما أعرف الشاطيء وزوجتي هنا تساعدني فزوجة الصياد كالوتد لا يستطيع أن يستغني عنها ودورها كبير جدا فهي أم وزوجة وصيادة ماهرة تفرد الشبك وتلم السمك وتبيع وتجدف أيضا مثلنا نحن نتزوج من بعضنا البعض لأننا نعيش نفس الظروف ونتحملها بعكس لو تزوج أحد بنت من "البر" سيكون صعب عليها أن تعيش هذه الحياة ان لم يرفض أهلها من البداية وأولادنا الصغار يلعبون ويمرحون فوق المراكب وسط المياه ومعظم الصيادين لا يجيدون القراءة والكتابة لأننا ولدنا في البحر وأولادنا لا يذهبون إلي المدرسة لأن أيديهم بأيدينا "يعملون معنا" ولا يستطيعون التوفيق بين الصيد والتعليم بالرغم من وجود أوراقاً لهم بالمدارس ومشاكلنا نحلها عن طريق مجالس عرفية وكبار الصيادين وتحل دون تدخل من أحد وحلمنا الكبير انشاء نقابة خاصة بالصيادين تحمينا تدافع عن حقوقنا الضائعة وتوفر لنا حياة كريمة. الشتاء القارس * بلبل الصياد يلتقط طرف الحوار قائلاً: أصعب الأوقات التي تمر علينا في فصل الشتاء حيث البرد القارس وتردي الأحوال الجوية فنحن نعيش دون سقف يحمينا من برد الشتاء وحر الصيف ولشدة البرودة نضطر للتجمع جانبا إلي جنب ونغطي المراكب بغطاء سميك ليقينا من الصقيع يتساقط علي أجسادنا علاوة علي ان الرطوبة عالية جدا في المراكب لتواجدنا وسط النهر. يضيف بلبل ان شخصية المراكبي التي جسدها صلاح السعدني في أحد الأفلام غير صحيحة لأنها لا تعبر إلا عن حالة فردية ونادرة لأننا جميعا لدينا شهادات ميلاد وشهادات تأدية الخدمة العسكرية علاوة علي تصاريح ممارسة مهنة الصيد حتي السيدات يحملن نفس التصاريح. التعليم صعب محمد فؤاد يقول: خرجت للدنيا ولا أعرف شيئا سوي المياه والمراكب والسمك ولا أجيد أي مهنة أخري سوي الصيد وحياة التنقل في النهر لظروف المعيشة الصعبة جعلت معظم أبناء النهر لا يتعلمون ولا يهتم أحد بالتعليم بسبب اشتراط شرط محل الاقامة الثابت مما يجبرنا علي تعلم نفس مهنة ابائنا. ويضيف فؤاد: نعاني من قلة الرزق خاصة في فصل الشتاء. لكن شدة البرد تصيبنا بالأمراض وتقعدنا عن العمل لفترات ولا نجد حل سوي الاحتماء بالوقوف أسفل الكباري وتغطية المراكب. الزوجة بنت صياد أم أحمد زوجة بسيطة وجدناها تقوم بغسل ملابس اسرتها علي المركب تؤكد ان الزوجة يدها في يد زوجها تعيش معه الحياة العائمة علي نهر النيل وان "بنت الصياد تتزوج صيادا" لأنها أكثر شخص تعرف وتقدر حياة الصياد فلا توجد بنت عادية تستطيع تحمل الحياة داخل مركب بسيط في قلب البحر هو المطبخ وحجرات النوم والمعيشة وكل شيء فهو المنزل ومصدر الرزق ولكنني أتمني العيش كباقي الناس في منزل مغلق علي وأولادي وأقوم بتعليمهم ليعيشوا حياة كريمة ومن هنا أناشد المسئولين للنظر إلينا بعين العطف ومنحنا سكن مناسب. أمر واقع عمرو عبدالعظيم باحث علم اجتماع يشير إلي أن سكان المراكب يمثلون شريحة لا يستهان بها من الشعب المصري فهم ليسوا ظاهرة بل أمر واقع لأسر فرضت عليهم الظروف الاجتماعية والاقتصادية أن يعيشوا علي مياه النيل خاصة بعد فترة الانفتاح الاقتصادي بالسبعينيات وسقوطهم من حسابات الحكومات المتتاليةفي توفير السكن المناسب لهم ويجب تناول الموضوع من عدة جوانب أولاً الشق الاجتماعي التاريخي فإن طبيعة عملهم بمهنة الصيد أجبرتهم علي اتخاذ المراكب سكناً لهم حيث انها من المهن القديمة التي توارثها العائلات المصرية جيلا بعض الآخر من ثم توارث ثقافة البقاء في النيل بالقرب من مصدر رزقهم وتاريخياً نجد ان رحلات الصيد بأنواعها سواء الأسماك أو اللؤلؤ تستغرق أشهر وهذا ليس في مصر فحسب وينطبق الأمر أيضا علي رحلات صيد اللؤلؤ بالخليج العربي ورحلات صيد الأسماك في اليابان وجنوب غرب آسيا وحتي أمريكا. يضيف عبدالعظيم: اما الشق الأهم هو الاقتصادي نجد ان مراكب الصيد تحولت في بعض الأحيان إلي مساكن جراء عدم قدرة الصيادين علي تدبير نفقات المساكن التي ارتفعت أسعارها علاوة علي بعدها عن مصدر رزقهم فلم يجدوا أمامهم سوي تحويل المراكب لسكن لهم. مشيرا إلي انه لا يوجد أي احصائيات لإعدادهم بشكل رسمي.