تمر الايام وتتعاقب السنوات ويبقي نصر السادس من اكتوبر عام 1973 خالدا في ذاكرة التاريخ والشعب المصري والامة العربية بل والعالم اجمع بعدما اذهل هذا النصر العظيم قادة اسرائيل والمحللين العسكريين بكل دول العالم من حيث الاستعداد والتدريب واستغلال عنصر المفاجأة والقدرة علي التغلب علي العوائق شديدة الصعوبة.. حفلت ملحمة اكتوبر بالعديد من البطولات والتضحيات التي لا حصر لها ومن الابطال الذين ضربوا اروع الامثلة في الوطنية والشجاعة ومهارة القتال اللواء أركان حرب متقاعد صادق عبدالواحد احمد احد ابطال حرب اكتوبر ومعركة "ابوعطوة" التي أنقذت مدينة الاسماعيلية من السقوط في ايدي العدو ومنعت القوات الاسرائيلية من محاصرة الجيش الثاني الميداني الذي كان يمثل قوة رئيسية لجيشنا الباسل.. التقت به "الجمهورية" وعن احتفالات النصر قال يحق لمصر جيشا وشعبا ان يحتفل كل عام بنصره العظيم في ملحمة اكتوبر المجيدة حيث انها بكل المقاييس فارق بين الهزيمة والاحباط وبين النصر واستعادة العزة والكرامة كما مثل ذلك النصر انطلاقة كبيرة لصالح المواطن المصري الذي تحمل تبعات الهزيمة ليشعر بلذة النصر. استعرض اللواء صادق ذكريات المعركة قائلا "كنت حينها رئيسا لعمليات كتيبة الصاعقة برتبة رائد وكنا نعلم جيدا ان الهدف الرئيسي من هجوم العدو في الثغرة هو احتلال مدينة الاسماعيلية وتطويق الجيش الثاني الميداني الذي كان يمثل قوة رئيسية للقوات المسلحة في حرب اكتوبر لاخلال التوازن الاستراتيجي للجبهة وعزل وحصار مدينة بورسعيد وتهديد الدلتا والقاهرة وعندما وصل العدو الي مشارف مدينة الاسماعيلية عند قرية ابوعطوة يوم 22 اكتوبر 1973 اجبرناه بمهارة وهو علي بعد 10 دقائق من قبل مدينة الاسماعيلية واهدافها الحيوية عسكريا ومدنيا اجبرناه علي التقهقر بعدما لقناه درسا قاسيا ليغير خطته ويرتد الي الجنوب ويتوجه الي مدينة السويس فتلك المعركة بحق غيرت مجري سير العمليات العسكرية واهداف الحرب في الثغرة كما غيرت تاريخ مدينتي الاسماعيليةوالسويس وسجلت هزيمة ساحقة في تاريخ العسكرية الاسرائيلية. يوم هادئ روي اللواء صادق عبدالواحد تفاصيل معركة ابوعطوة قائلا "كانت بداية يوم 22 اكتوبر هادئة وساكنة لا تنبيء اطلاقا عن نهاية ذلك اليوم وما شهده من صراع وقتال فقد كانت اول مهام ذلك اليوم اجراء عملية تغيير قوات الصاعقة ببعض المواقع علي محور التقدم المنتظر للعدو بطريق الضبيعة بقيادة الرائد ابراهيم الدسوقي والنقيب حامد شعراوي تجمع باقي الضباط علي مفارق طريق نفيشة-ابوعطوة وعبرنا ترعة الاسماعيلية والسكة الحديد لاستطلاع منطقة زراعات الذرة علي الجانب المواجه لمنطقة العمليات وعدنا الي قيادة الكتيبة في الساعة التاسعة صباحا. صمت اللواء صادق برهة واستطرد قائلا "في تمام الثانية عشرة والنصف ظهرا تلقي الرائد علي أمين قائد الكتيبة انذاك اشارة من الكمين بتقدم العدو الاسرائيلي علي محور الضبعة بدبابتين وعربتين مدرعتين وان القوة تصدت لهم واستشهد الرائد ابراهيم الدسوقي فتوجهت بأمر من قائد الكتيبة وبصحبتي الملازم اول سيد عبدالخالق والجندي احمد مصطفي لاستطلاع الموقف واعادة تنظيم الكمائن في المنطقة واخلائها من الجرحي وجثامين الشهداء واختيار موقع اخر للكمين بعناصر اخري من الكتيبة طبقا لاسلوب قتال وتكتيكات الصاعقة حيث انه لا يفترض بقاء نفس القوات في ذات الموقع لكشفه من العدو بعد الاشتباك معه فتوجهنا الي هناك عن طريق التسلل بين اشجار الحدائق وكان الاشتباك لايزال قائما وطلقات الرصاص تكسر الاغصان وتسقط الاوراق في كل اتجاه وبسبب صدي الصوت لم نكن نعرف اتجاه تلك الطلقات الكثيفة حتي اصيب الملازم اول سيد عبدالخالق وعندها أمرت الجندي أحمد مصطفي بحمله والرجوع الي الخلف وتقدمت وحدي حتي وصلت الي الكمين وسألت النقيب حامد شعراوي عن الموقف وجثة الرائد الشهيد ابراهيم الدسوقي فأخبرني ان العدو توقف بعد اكتشافه الكمين وظهور رجال الصاعقة من تحت الارض وخلف الاشجار بكثافة نيرانية شديدة وان الرائد الشهيد قام ومعه مجموعة من الصف والجنود بالاشتباك معهم واعتلي الرائد ابراهيم الدسوقي احدي دبابات العدو والقي قنبلة بداخلها فانفجرت الدبابة بمن فيها واستشهد هو والرقيب عبدالمعطي سليمان وانه لا اثر لجثة الرائد الشهيد حيث لايمكن التعرف عليها او جمعها خاصة في ظل ظروف المعركة والاشتباك مع العدو فطلبت منه ان يرتد الي الخلف بعد ان حقق الكمين اهدافه وان يكون الارتداد في شكل مجموعات صغيرة في اتجاه الشمال الشرقي حتي الوصول الي قرية ابوعطوة واعادة تجميع القوة هناك كما اهتم العدو وقتها بسحب معداته المدمرة وقتلاه وجرحاه تحت ساتر من نيران قواته وجميع انواع المدفعية القريبة والبعيدة المدي وكانت الاصابات خفيفة لبعض جنودنا وبعد اعادة تجميع القوات ابلغت قائد الكتيبة وطلبت منه الامداد بالقوات والذخيرة وقمت بتنظيم الكمين الثاني بمعاونة النقيب حامد شعراوي في الموقع الجديد علي طريق ابوعطوة الاسماعيلية مع السيطرة علي مفارق الضبيعة نفيشة واتخذت القوة من أزقة القرية والاسطح والطوف اماكن للتمركز بها كما تمركز الملازم اول عزت عطية بمنطقة المقابر في الخلف لمنع التفاف العدو وتطويقه لنا. رسالة السادات قال اللواء أركان حرب صادق عبدالواحد في هذه الأثناء اتصل الرائد علي أمين قائد الكتيبة لتبليغ رسالة من الرئيس أنور السادات الي المقدم اركان حرب احمد اسامة ابراهيم قائد المجموعة 139 صاعقة بضرورة منع العدو من احتلال مدينة الاسماعيلية وعندما قمت بابلاغ مضمون الرسالة الي الجنود والضباط ارتفعت الروح للجميع وزاد الاصرار علي تحقيق المهمة بعدما شعرت القوات ان الجميع يرقب عملهم ويقدرون مهمتهم وفي ذات الوقت كانت سرية من الكتيبة 223 صاعقة قد اجرت عملية تغيير القوات وعائدة من نفيشة الي قاعدتها بقيادة النقيب سيد خميس وتحت اشراف الرائد مبارك عبدالمتجلي وعند مرورهم من خلال مواقعنا طلبت منهم البقاء والتمركز بمنطقة محطة تنقية المياه في اتجاه الشمال الشرقي لقواتنا وتأمين هذا الجانب لاحتمال التفاف العدو منه فوافقوا وكان طلبي هذا أمراً غير مألوف في تخصيص المهام لاي وحدة عسكرية ولكن روح الانتماء وفدائية رجال الصاعقة والاصرار علي النصر هو ما كان يقودنا في ذلك الوقت وجلست حينها مع الرائد مبارك عبدالمتجلي نناقش بعض الموضوعات اذا بطلقة لعينة غادرة من العدو تخترق قلبه وتلامس المصحف الذي كان يضعه في جيبه ليسقط شهيدا امام عيني وبين يدي. الميتكال استطرد اللواء صادق قائلا "قام العدو بعمل استطلاع جوي دقيق للمنطقة للتعرف علي أوضاع عناصر الصاعقة وقوتها وتسليحها ظهر فيه التمركز الجيد لقواتنا وتمكنها من استخدام جميع عناصر الاخفاء والتمويه ببراعة بما يعوق تنفيذ مهمته باحتلال مدينة الاسماعيلية وتطويق الجيش الثاني الميداني وتأكد ان الوقت ليس في صالحه خاصة ان التفاحة لم تسقط في يده بعد رغم ضغط قياداته السياسية والعسكرية عليه والتي كانت تحثه علي سرعة تحقيق المهمة قبل تنفيذ قرار مجلس الامن الدولي بايقاف اطلاق النار بعد ساعات قليلة من ذات اليوم فدفع العدو بعنصر من الميتكال وهي قوات عسكرية متخفية في اي زي طبقا للمهمة افرادها ذوو ملامح عربية وتتحدث العربية بلهجة اهل المنطقة حيث فوجئت بظهور شخص طويل اسمر البشرة يرتدي جلباباً ابيض نظيف وسألته عن شخصيته وسبب تواجده فاخبرني أنه من المصريين المصرح لهم بالتواجد غرب القناة ويحمل تصريحا بالتواجد حيث بيته وارضه في المنطقة واطلعني علي التصريح فأمرته بالخروج من المنطقة لانها محل اشتباكات مع العدو وبتكرار الامر عليه لم يمتثل وهددته بالسلاح ولكن دون جدوي فأطلقت دفعة من الرصاص قرب قدميه فهرول واختفي في زراعات الذرة علي الجانب الاخر الغربي وبعد 10 دقائق بدأ العدو القصف بمدفعية اكثر دقة علي قواتنا فأدركت حينها ان الرجل من وحدة الميتكال للعدو وكان يجب القبض عليه. صيحة النصر واضاف بعد انتهاء قصف المدفعية ابلغني الملازم طارق متولي المسئول عن الانذار بتقدم العدو في تشكيل مغاير لذلك التشكيل الذي اتخذه مع كمين الشهيد ابراهيم الدسوقي ففي المقدمة ثلاث دبابات لتخفيف صدمة الرعب الذي لاقاه في الكمين الاول وتصدير هذه الصدمة لنا تتبعها عربتان مجنزرتان محملتان بقوات المظلات وعلي كل منها هاون ورشاش نصف بوصة والتزم الجميع الصمت وكأن الحياة توقفت تماما واصبح كل منا لا يسمع سوي دقات قلبه وصوت جنازير الدبابات التي تعلو وتقترب وتقدمت قوات العدو باتجاهنا وتركها الملازم طارق تمر من امامه وكانت ابراج الدبابات تدور في جميع الاتجاهات بزاوية 360 درجة فالقوات الاسرائيلية كانت تتوقع الاشتباك ولكنها لا تدري من اين ستأتي الضربة وقبل ان اكمل الامر لابطالنا بالاشتباك حتي كانت صيحة "الله اكبر" الممتزجة بلهيب من نيران قواتنا تهز الارض وتدفع بالجنود والضباط تجاه العدو وتلقت الدبابة الاولي قذيفة اطلقها المقاتل الشجاع محمد عبدالله وانفجرت كما تفجرت دانات مدفعية الدبابات وطار برج احداها وحاولت الثالثة توجيه مدفعها واقتحام موقع الكمين فعاجلها الرقيب هاشم حسين متولي بقذيفة ارقدتها خامدة واشتبكت مجموعة الانذار والقطع مع عربات وافراد العدو وكبدته خسائر بالغة فارتد منهم من استطاع الهرب والقفز والاختباء بين الاشجار واصبح العدو في موقف لايحسد عليه فلن يستطيع الوصول الي دباباته المدمرة او نجدة افراده وتحولت المنطقة الي جحيم من نيران المدفعية والقصف الجوي من العدو لكامل ارض قرية ابوعطوة وحتي نفيشة مع تكثيف القصف علي منطقة المعركة وموقع الكمين وتم الرد علي مدفعية العدو بقصف نيران كثيفة من مدفعية الجيش الثاني بقيادة العميد عبدالحليم ابوغزالة وكنا في ذلك الحين صامدين بمواقعنا فاستشهد عدد من افراد السرية