* قال وهب بن منبه: أجد في الكتاب أن قوماً يتدينون لغير العبادة. ويختلون الدنيا بعمل الآخرة.. أي يطلبون الدنيا بعمل الآخرة.. ويلبسون مسوك الضأن علي قلوب الذئاب. "والمسوك.. الجلود".. ألسنتهم أحلي من العسل. وقلوبهم وأنفسهم أمرّ من الصبر.. أبي يغترون.. أم إياي يخادعون.. لأبعثن عليهم فتنة يعود الحليم فيها حيران!! ولست أدري ما الكتاب الذي قصده وهب.. هل هو التوراة. أم الإنجيل. أم الزبور؟!.. وعلي فكرة.. أدهشني أن كلمة "مسوك" جمع "مَسك" بفتح الميم.. والمقصود به الجلد أو القناع. أو الغطاء. ونحن أو كثيرون منا يتصورون أن كلمة "ماسك" إنجليزية بمعني القناع.. لكنها في الواقع عربية فصيحة. وهي "مَسك" بفتح الميم. أي الجلد والقناع. وإن تعدوا هؤلاء الذين وردت صفاتهم في الكتاب.. فلن تحصوهم.. فهم ملايين بيننا. وهم الذين يسيطرون علي أفكارنا. وهم الذين خربوا ويخربون بيوت "اللي خلفونا".. وهم الذين يخادعون الله وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون.. هم المنافقون حقاً وصدقاً.. ألسنة منيرة. وقلوب "كُحل".. أقلام قديسين وملائكة. وسلوكيات شياطين.. أقوال نُسَّاك وأفعال فُُسَّاق.. هؤلاء هم آفة الأمة وشرها المستطير.. لو اطلعت علي قلوبهم وأنفسهم لوليت منهم فراراً. ولملئت منهم رعباً. هؤلاء الذين يطلبون الدنيا بعمل الآخرة. يقتلون باسم الله. ويسرقون باسم الله. ويعيثون في الأرض فساداً باسم الله. ويزنون أيضاً باسم الله.. هؤلاء أخطر من الكفار وأكثر شراً من المجاهرين بالمعاصي.. تحسبهم علي حق وهم علي باطل.. وهم الأخسرون أعمالاً. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا. وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.. هم المفسدون. ويشعرون أنهم مفسدون.. هم الذين اتخذوا إلههم هواهم. وأضلهم الله علي علم.. يعني يعلمون أنهم ضالون مضلون. ولكنهم يجاهرون ويعاندون ويكابرون. الدين عند هؤلاء وسيلة وليس غاية.. الدين وسيلة للوصول إلي السلطة وتحقيق الثراء والنجومية والشهرة. والوجاهة الاجتماعية.. وليس عجيباً أبداً أن نجد معظم هؤلاء. أو كلهم. من أوساط اجتماعية متدنية.. ومن سفلة القوم.. مثلهم في ذلك مثل الدجالين والمشعوذين. الذين يستخدمون الدين وسيلة للنصب والاحتيال. وتحقيق الثراء والوجاهة الاجتماعية. والتخلص من دونية المنبت. ومحاولة الصعود إلي الطبقة العليا. زمان. وأنا بعد صبي في الثانوية. قلت لصديقي الذي هو أيضاً قريبي كلاماً صدمه لأول وهلة.. قلت له: عندي مقياس لا يخطئ. أعرف به المجتمع المنافق.. قال: وما هو؟!!.. قلت: كثرة المساجد في قرية كقريتنا لا تتجاوز مساحتها عشرة كيلومترات.. وكثرة القوانين.. قال: معقولة!!.. كثرة المساجد تدل علي النفاق؟!!.. قلت: إنها مساجد الضرار.. هل معقول أن يؤذن عشرون مسجداً للصلاة في مساحة لا تزيد علي عشرة كيلومترات؟!!.. وكل مسجد يصلي فيه عشرة؟!!.. وكل مسجد يحمل اسم عائلة؟!!.. قال: حرام ربط المساجد بالنفاق.. قلت: لقد ربط الله تعالي المسجد الضرار بالنفاق.. وهو المسجد الذي أقامه المنافقون في المدينةالمنورة. ومنع الله تعالي رسوله والمؤمنين من الصلاة به. المجتمع المنافق هو مقتل هذه الأمة.. وإذا ساد النفاق فلا جدوي من الوعظ والنصح والإرشاد والكتابة والقول. لأن "كله بيضحك علي كله".. والمجتمع المنافق ورقي قشري ديكوري.. يعني مساجد بالكوم بلا تقوي ولا تدين.. وقوانين "بالزوفة" بلا تطبيق ولا ردع.. ولجان كالذباب بلا حل لأي قضية.. ومناصب بلا عدد دون اختصاصات. أو مهام. أو مسئوليات.. المجتمع المنافق يعتمد علي الأوراق والنصوص. لكنه ليس معنياً بالتطبيق. المجتمع المنافق هش "ومخوخ". وآيل للسقوط.. "زي البيت المسكون بالأشباح والحشرات من الداخل. بينما هو بَرَّاق ويفتح النفس من الخارج".. وهذا البيت هو قلوبنا.. هو نحن.. منظر حلو من الخارج. وزبالة من الداخل!! والنفاق ليس دينياً فقط.. هناك أيضاً النفاق السياسي. والنفاق باسم الوطن.. بل والنفاق الغرامي.. لا يوجد شيء حقيقي في المجتمع المنافق.. التدين مزيف. والوطنية مزورة. والأحزاب والتيارات السياسية "سبوبة".. والحب مضروب.. العلاقات الإنسانية كلها مغشوشة في المجتمع المنافق.. والله تعالي لا يصلح عمل المفسدين.. والنفاق أخطر أنواع الفساد في الأرض.. ونحن في أعمالنا ومهننا وأسرنا ونظامنا التعليمي. وفي طبنا وهندستنا. نبذل جهوداً جبارة. لكن الله يفسد أعمالنا لأننا منافقون.. هي تماماً كا قلت لكم: "القرفة وحشة".. ففي الصحافة والإعلام مثلاً نكاد نموت من الجهد المضني الذي نبذله. ومع ذلك "تطلع النتائج زي الزفت".. "ليه؟!!.. علشان القرفة الوحشة".. ولأن الله عز وجل لا يصلح عمل المفسدين.. من أجل هذا لا يعيش لنا إنجاز. ولا تعيش لنا ثورة.. ودائماً فرحتنا لا تتم. ويأخذها الغراب ويطير!! **** * والرجال والنساء يذوبون عشقاً وغراماً و"شحتفة" في بعضهم.. كل رجل يبدو مثل قيس. وكل امرأة تبدو مثل ليلي. ثم إذا تم الزواج تفاجأ بوقوع الطلاق. ربما في سنة أولي زواج.. لأن "القرفة وحشة".. ولأن العاشقين كاذبون.. ولأن الحكاية "بُق بس".. ولأن الحب منافق مثل كل شيء.. ولأن المسألة جنسية تحتية. وليست قلبية فوقية.. ولأن الله تعالي لا يصلح عمل المفسدين.. "والحلو عندنا ما بيكملش ليه؟!".. لأن الحلاوة في القشرة. لكن اللب مُر مَرارة العلقم.. "ألسنة أحلي من العسل. وقلوب أمرّ من الصبر". والمجتمع المنافق لا يكف عن كلام الحب. وكتابة الحب. بينما هو مجتمع تحكمه الكراهية. وتقوده وتوجهه.. الكراهية في المجتمع المنافق هي الوقود الذي يدير حركة هذا المجتمع.. والحب فيه شعار بلا مضمون. مثل الوطنية والقيم والمبادئ. واحترام القانون.. المجتمع المنافق يكره بمنتهي الإخلاص. ويفسد بمنتهي الإتقان.. حتي الذين يتصدون للإصلاح فيه أكثرهم مفسدون!! والمجتمع المنافق مجتمع مريض مرض الموت.. لأنه فريقان: فريق المفسدين. وهم يشعرون وهم متصدرو المشهد. وفريق المفسدين ولا يشعرون. وهم الأتباع والقطيع. وأهل السمع والطاعة "والنطاعة". وفي المجتمع المنافق يقولون إن الحب أنواع.. حب المرأة للرجل. والرجل للمرأة.. وحب الأم لولدها.. وحب الوطن.. وحب الإخوة.. وهذا هو الكذب بعينه.. فالحب واحد.. ولا أتصور أن امرأ يكره وطنه. يمكن أن يكون صادقاً في حبه لامرأة.. ولا أتصور أن عاقاً لوالديه يمكن أن يحب أحداً.. والمجتمع المنافق ثرثار "رغاي".. لأنه يستغني بقوله عن فعله. وبكتابته عن سلوكه.. ولو اقتربت من الذين يكتبون كلاماً كسلاسل الذهب. ومن الذين يبرقون ويلمعون علي الشاشات. وتطرب لقولهم. لأصابتك صدمة قاتلة من أفعالهم وسلوكياتهم.. ولو اقتربت من أي وسط تظنه راقياً ومثقفاً. لَمُتَّ كَمداً. وأنت تري المؤامرات والدسائس. والتربص. والسلوكيات غير المشروعة.. بل والحقيرة.. هو نفس وصف القرآن الكريم للمنافقين: "وإن يقولوا تسمع لقولهم". وكل مجتمع يثرثر أبناؤه كثيراً ويعملون قليلاً. أو لا يعملون. مجتمع منافق.. عندنا أحلي أغان للوطن.. لكننا نغني علي الوطن. ولا نغني له. تماماً كما نغني علي بعضنا.. الوطنية أيضاً مثل الدين والسياسة والإعلام "سبوبة".. كل هذه تجارة مربحة.. كلها دكاكين.. دكاكين الدين والدعوة. ودكاكين السياسة. ودكاكين الإعلام. والمجتمع المنافق يتسم بالفجور في الخصومة.. وهو ما نراه الآن في مصر. حيث العنف والإرهاب والترويع من أجل السلطة والجاه والمال.. إنه طلب الدنيا باسم الدين.. وكل من يخاصم بلا خطوط حمراء. ولا حدود منافق. "يعني اللي يتخانق معاك في المجتمع المنافق يجيب الآخر".. وورد أن محمد بن سيرين رحمه الله. أو غيره.. لقيه رجل في الطريق أفحش له في القول والسب. فقال له ابن سيرين: أمسك يا هذا ولا تفجر في الخصومة. واترك متسعاً للصلح بيننا "يعني ما تحرقش كل المراكب. وما تجيبش الآخر.. علشان ندي فرصة للتصالح". لا يمكن بأي حال أن يكون مزهق الأرواح. وقاتل النفس. ومهلك الحرث والنسل. مدافعاً عن الدين.. الدين عنده "سبوبة".. وهذا الشخص يبحث عن عرض زائل. ويطلب الدنيا بما يظن أنه عمل الآخرة.. إنها لعبة قذرة التي يُستخدم فيها الدين ورقة للوصول إلي أهداف دنيوية. وأسوأ ما يخدعنا به المتدينون "النُص كُم" هم أنهم يربطون أنفسهم بالإسلام.. فإذا سقطوا وخلعهم الناس قالوا إن المشروع الإسلامي سقط كله.. هم يعتبرون أنفسهم الإسلام.. الإسلام باق ببقائهم حكاماً. وزائل بزوالهم وغروب دولتهم. والمجتمع المنافق قائم دائماً علي الشخصنة.. يعني المبدأ أو النظرية هي الشخص.. السياسي هو السياسة. والمنظر هو النظرية. والمتدين هو الدين.. والداعية هو الدعوة.. "أنت الحب.. مش أنت الحبيب"!! **** *والسلاح الفتَّاك لمواجهة وباء النفاق هو التكذيب والشك.. كلهم كذابون إلي أن يثبت العكس. ولن يثبت العكس.. السياسي والعاشق والإعلامي والصحفي والداعية.. كلهم ينطبق عليهم المثل العامي: "تحلفلي أصدقك. أشوف أمورك أستعجب".. كذابون ولو حلفوا: "قالوا للحرامي إحلف. قال جالك الفرج".. لابد أن نقوي جهاز المناعة الفكرية لدينا بالتكذيب والشك.. "كله كلام".. والمجتمع المنافق مجتمع قائل لا فاعل.. مجتمع شعارات وليس مجتمع مضامين. "تسمع بالمعيدي خير من أن تراه".. ونحن نحكم علي الناس بألسنتهم وأقلامهم.. وكل أو جل الألسنة "عايزة قطعها".. وكل أو جل الأقلام "عايزة كسرها". والنفاق في اللغة هو إضمار الشر وإظهار الخير.. الأصل هو الشر والقشرة الخير "يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم.. ويكتبون بأقلامهم ما ليس في عقولهم.. وعندما يسود النفاق يصبح المجتمع كله وعاء مسمماً.. "تحط فيه دين يفسد.. تحط فيه اشتراكية تبوظ.. تحط فيه ديمقراطية تتعفن".. مجتمع يزعق وينعق بالحرية. والعيش والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية "ولا لاقيين عيش. ولا حرية. ولا عدالة. ولا كرامة".. ومنذ وكسة 25 يناير أصبح النفاق حاكماً وأميراً وسلطاناً.. كل شيء من يومها يتحرك بطاقة النفاق.. وكل شيء يمر إلينا مهرباً. ومغشوشاً. ومشروباً عبر أنفاق النفاق.. فمن لنا بمن يدمر ويردم أنفاق النفاق؟!!". نظرة *عندما أقرأ عن الناس زمان. أصاب بالصدمة "الكلام اتقال علي الناس منذ ألف عام.. أمال نقول إيه دلوقت؟!".. شيء يصيبك بالذهول حقاً عندما يقول طُرفة بن العبد. كل خليل كُنت خاللته .. لا ترك الله له من واضحة كلهم أروغ من ثعلب .. ما أشبه الليلة بالبارحة وتُذهل أيضاً عندما تري أعرابياً يقول: "وجدت الناس أخبر تقله".. "ودي عايزة شرح".. يعني إذا عاشرت الناس وعاملتهم فإنك ستفارقهم "تقلهم أي تفارقهم وتهجرهم".. "ما ودعك ربُكَ وما قلا".. ويقول شاعر آخر: أسواء إذا جلسوا معاً .. وفي الناس زيف مثل زيف الدراهم ويقول آخر: فإنك لا يضرك بعد حول .. أظبي كان أمك أم حمار فقد لحق الأسافل بالأعالي .. وماج اللوم واختلط النجار ويقول شاعر آخر.. حتي عن نفسه والناس أجمعين: سوءة الناس كلهم .. أنا في هذا من أولهم لست تدري حين تنسبهم .. أين أدناهم من أفضلهم يعني الحكاية "متنيلة بنيلة من زمان لأن أمتنا هي التي اخترعت النفاق ونشرته في الكون".. لذلك أجدني حائراً في أمري مثل حيرة أم كلثوم.. وأجدني أغني معها ومع أحمد رامي ورياض السنباطي: "أروح لمين. وأقول يامين. ينصفني منك.. ماهو أنت فرحي. وأنت جرحي. وكله منك"!!!