أخشي من الاعتراف بأن حالة السيولة الثورية والفوضي والارتباك العام قد عودتنا علي القُبح.. القُبح في كل شيء.. حتي في الخطاب العام ولا أبالغ إذا قلت والخاص أيضاً.. الحوارات التليفزيونية تقطر قبحاً وتسيل حقداً وتفيض جعجعة.. ولا نتيجة لها إلا رفع الضغط وزيادة التوتر العصبي.. مذيعون وضيوف وخبراء استراتيجيون أسماء وصفات ما أنزل الله بها من سلطان.. أناس وكأنهم حصلوا علي التوكيل الحصري لتمويل الاحباط وزراعة اليأس وغرس السواد في النفوس. لك أن تتخيل الموقف إذا طبقت قاعدة انظر حولك.. ماذا ستبصر عيناك في الشارع العام أمام بيتك.. في موقف السيارات في محطة الأتوبيس في السوق.. أمام المدارس وحتي أمام المستشفيات.. القبح سيد الموقف للأسف الشديد. ومما يؤسف له حالة الاستسلام لهذا القبح.. وكأننا تعودنا عليه.. وكأنه أصبح مقرراً يومياً آناء الليل وأطراف النهار.. ولذلك لا يتحرك أحد. لا مقاومة تذكر الكل يعاني من فيروس نقص المناعة تجاه الجمال وكل ما هو جميل. كل هذه الخواطر أثارها ذلك الاجتماع الموسع الذي عقدته الدكتورة ليلي إسكندر وزيرة الدولة لشئون البيئة بمجموعة من جامعي القمامة بحي المقطم ومصر القديمة بحضور حافظ السعيد رئيس الهيئة العامة لنظافة وتجميل القاهرة وقيادات وزارة البيئة بالمركز الثقافي التعليمي بيت القاهرة بالفسطاط.. وهو الاجتماع الذي تأخر كثيراً وذكرنا أن لدينا وزارة للبيئة بعدما نسيت الجماهير حاجة قديمة كان اسمها الأحياء.. ومجالس المدن وغيرها وكانت تابعة أصلاً للأحياء.. لا أعرف لماذا اختفت ولماذا توارت عن الحجاب.. ولا أعرف ماذا تفعل اللهم إلا إذا كانت الحكومة قد سرَّحت موظفيها أو أرسلتهم في إجازات مفتوحة أو منحتهم تفرغا للمشاركة في المظاهرات والوقفات الاحتجاجية إياها. هذه ليست نكتة أو مزحة.. ولك أن تسير في شوارع العاصمة وتشاهد تلال القمامة وأكوام الزبالة المنتشرة في بقاع الأرض ومخلفات الهدم في الطرق الرئيسية وفي مداخل القاهرة "أحمد حلمي علي سبيل المثال".. ولا أعرف أي مسئول ذلك الذي يرضي أن يستمر في عمله والشوارع غارقة في الزبالة وهو يجلس مطمئناً في مكتبه الوثير مستمتعاً بهواء التكييف في صيف مصر الطويل شديد الحرارة؟ وكيف يسمح أي محافظ في محافظته لمثل هؤلاء بالاستمرار في أعمالهم؟ يحدث هذا مع أن الناس وقعت عقد إذعان مع الحكومة لدفع رسوم جمع القمامة ويتم تحصيلها شهرياً علي فواتير الكهرباء.. سواء رفعت أو لم ترفع الزبالة. الغريب أن الجماهير تشاهد يومياً جماعات من البشر تقوم بعمليات فرز لأكوام الزبالة وينشرها في وسط الشارع لتزداد مساحة القبح. والعجيب أنه في بعض المناطق التي اهتم قليلاً برفع الزبالة مرة في الأسبوع مثلاً أنه يتم الاتفاق مع أصحاب الأغنام وقطعان الماعز علي ترك الزبالة في الشارع حتي وقت معين بحيث تتمكن الأغنام من التغذية عليها.. في مشهد كوميدي مثير وكأن الشوارع تنقصها الخنقة أكثر.. زبالة وغنم.. وماعز أي والله العظيم وفي القاهرة ولا نتحدث عن محافظات نائية أو في العزب والقري. لا أعرف لماذا تتلكأ الحكومة في التعاقد مع شركات وطنية أو مع الجمعيات الأهلية في الأحياء المختلفة لحل أزمة النظافة وبأموال المواطنين.. بعد أن فشلت التجربة مع الشركات الأجنبية الإسبانية والإيطالية.. والتي كانت تغدق عليها بالملايين راضية من قبل. يا ليت وزارة البيئة تتبني اقتراحاً يعهد فيه إلي مجموعات الشباب الباحث عن فرص عمل.. وتكوين شركات صغيرة أعضاؤها من الشباب يقودها ويديرها الشباب.. تتولي الإشراف علي هذه المهمة سواء في الجمع من البيوت ومن أمام الشقيق وحتي النقل إلي المقالب العمومية.. والمراقبة اليومية للنظافة.. والمساهمة والاشتراك في بزنس الزبالة والذي تتجاوز حجم الأعمال فيه بالمليارات.. خاصة بعد أن أصبحت المخلفات أحد أهم بنود الصادرات في حركة التجارة العالمية وخارجياً.. وهي مسألة لم تعد خافية علي أحد في عالم المال والأعمال "ولكم في الصين أسوة حسنة يا أولي الألباب". الوزارة يمكن أن توفر لهؤلاء الشباب وشركاتهم الوليدة بالتعاون مع المحليات ووزارة الاستثمار.. الحماية والضمان.. ولا بأس من الدعم أيضاً في مواجهة هوامير تجارة الزبالة سواء قبل الفرز وبعده.. وأيضاً بعد عمليات التدوير. أعتقد أنها مشروعات سهلة وغير مكلفة وسريعة العائد ومكاسبها مضمونة والأهم من كل ذلك ما ستمنحه لنا من نعمة النظافة وتحقيق الانتصار علي جانب كبير ومهم في معركة القبح وأركانها القذرة. ** من معاني القبح: شناعة في القول والفعل والصورة. ويُقال قبحه الله أي: أبعده من كل خير.. وجعله قبيحاً.. يقول تعالي: "ويوم القيامة هم من المقبوحين" المبعدين عن الفوز بالجنة. ويُقال في الدعاء علي شخص: قبحا له: أي بعداً.. دعاء عليه بالإبعاد من كل خير. وقيل: قبح الله لساناً يأنف الصمت الحرام.