يري أكثر الفقهاء المعاصرين مشروعية اتخاذ المظاهرات السلمية وسيلة للتعبير عن الغضب السياسي أو الاحتجاج علي ظلم النظام الحاكم أو المطالبة بحق عام. واستدلوا علي ذلك بعدة أدلة منها: "1" ان المظاهرات السلمية المنظمة من الوسائل المستحدثة للتعبير عن الحقوق السياسية. فتكون مشروعة عملاً بالإباحة الأصلية التي يدل عليها ما أخرجه الدارقطني والطبراني بسند فيه مقال عن أبي الدرداء. ان النبي - صلي الله عليه وسلم - قال: "إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها. وحد لكم حدوداً فلا تعتدوها. ونهاكم عن أشياء فلا تنتهكوها. وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تكلفوها رحمة من ربكم فاقبلوها". "2" ان الأحاديث النبوية الشريفة تناولت ما يدل علي مشروعية المظاهرات السلمية. ومن ذلك ما أخرجه الطبراني والبزار بإسناد حسن عن أبي جحيفة قال: جاء رجل إلي رسول الله. صلي الله عليه وسلم. يشكو جاره. فقال - صلي الله عليه وسلم -: "اطرح متاعك علي طريق". فطرحه. فجعل الناس يمرون عليه ويلعنونه. وفي رواية: فكان من مر به قال: ما شأنك؟ قال: جاري يؤذيني. قال فيدعو عليه. فجاء جاره. فقال: رد متاعك فإني لا أوذيك أبداً. "3" إن المظاهرات وان كانت غربية النشأة والفكرة في العصر الحاضر إلا انها إسلامية المقصد وإنسانية المعني. فلا حرج من العمل بها. فقد أخرج الشيخان عن ابن عباس قال: كان النبي - صلي الله عليه وسلم - يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر فيه بشيء. وأخرج مسلم عن جدامة بنت وهب ان رسول الله - صلي الله عليه وسلم - قال: "لقد هممت ان أنهي عن الغيلة. حتي ذكرت ان الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم" "والغيلة هي ان يأتي الرجل زوجته وهي حامل. أو تحمل المرأة وهي ترضع". وقد لاحظنا ان النبي - صلي الله عليه وسلم - لم يسأل ربه عن حكم الغيلة. وإنما اكتفي بالنظر في ممارسة أهل الروم وفارس - وهم غير مسلمين - فلم ير ضرر الغيلة عليهم. فلم ينه المسلمين عنها. "4" ان المظاهرات كوسيلة معاصرة للتعبير عن الحقوق السياسية تتفق مع القاعدة الفقهية التي تقرر: "مراعاة أعظم المصلحتين وأهون المفسدتين". فمن المصالح الشرعية التي تحققها المظاهرات: النصح لولاة الأمور. وتثبيت عموم المسلمين علي الحق. وإعلان رأي الشعوب إلي الأنظمة الحاكمة للضغط السياسي عليها توصلا للحق. ومن المفاسد التي تدفعها المظاهرات: تهمة الشعب بالضعف والاستسلام. واستمراء الحاكم الانفراد بالرأي. وقد أخرج مسلم عن أبي سعيد الخدري ان النبي. صلي الله عليه وسلم. قال: "من رأي منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه. فإن لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان".