الزعامة عند اليهود لا تكون إلا في رجل من رجال الأعمال. أو في إنسان قد خلصت له الدنيا والمال. ولأن طالوت لم يكن وارثا. ولم يكن من أرباب الأموال. كانت زعامته محطا للإنكار. إذ "أني يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال". وفي محاولة من القرآن لتصحيح المفهوم. نري الآية تؤكد أن الله قد اختار لهم طالوت بتدخل العناية الإلهية وهذا هو الجزء الايماني في المسألة وفي اسم طالوت ما يدل علي الصفات الجامعة لأركان الزعامة والسيادة فطالوت اسم مشتق من مادة الطول التي تحوي مادة الامتداد في الارتفاع والعرض والعمق. وفي هذه الصفات دلالة علي كمال الأجسام. وفي صحة الأجسام صحة النفوس. كما يقولون: العقل السليم في الجسم السليم وتفصيل هذا من خلال كلام القرآن ان الله زاده بسطة العلم والجسم. ومع هذا فإن القرآن لم ينصرف عن هذه الطائفة من اليهود إلا بعد أن بين سفههم إذ كان ينبغي عليهم مادام الاختيار قد جاء من قبل النبي. فإنه كان من الواجب أن يقبلوه طبقا لما وضعه القرآن من الأسباب الخاصة بمنح الملك من الله لمن يشاء من عباده. فالله عز وجل هو المالك الوحيد. والحاكم الواحد الذي لا شريك له. ولكنه في الأمور العادية ينقل الملك للأمة. تملكه ملكية نسبية. ثم الأمة تختار من بينها: الأكفأ وتمنحه الريادة من خلال عقد اجتماعي. للحاكم فيه مآله تجاه الأمة. وللأمة فيه ما لها تجاه الحاكم. وفي قصة هؤلاء القوم من اليهود اختصرت مرحلة بسبب طلبهم من النبي أن يجعل لهم ملكا. فنقل الله السلطة إلي طالوت مباشرة. "والله يؤتي ملكه من يشاء". لقد أراد الله عز وجل من خلال القرآن أن يضع أمام المسلمين مثلا حيا. يعتبر به المسلمون في المدينة. ويعتبر به اليهود المعاصرون للنبي. إذ فيه تجربة لبعض أجدادهم. وحكاية القرآن تعد مسألة نظرية تحتاج إلي تطبيق. وتطبيعها في أعلي صورة تحقق في النبي "صلي الله عليه وسلم" فلقد تحققت في النبي صفات: جسمية. ونفسية. وسلوكية. قد ربطت بينه وبين أصحابه برباط قوي. لا يقبل الانفصال ولا الانفصام. وأصحاب النيي يحكون هذه الصفات عنه. فهو كان وجيها من رآه بداهة أحبه. عن عبدالله بن سلام قال: أول ما قدم رسول الله "صلي الله عليه وسلم" المدينة انجفل الناس إليه فكنت فيمن جاءه فلما تأملت وجهه واستثبته علمت ان وجهه ليس بوجه كذاب. قال: وكان أول ما سمعت من كلامه أن قال: "يا أيها الناس أفشوا السلام. وأطعموا الطعام. وصلوا بالليل والناس نيام. تدخلوا الجنة بسلام". وأصحاب النبي "صلي الله عليه وسلم" قد رصدوا صفاته جميعا فما وجدوا منها صفة تنفر منه غيره. وحاشاه بل ان مجموع صفاته واحادها فيها من الجاذبية ما تجعله محبوبا ومحبا يألف ويؤلف ويحب ويحب. رصد المسلمون صفات رسول الله "صلي الله عليه وسلم" من جميع نواحيها فتراعت لهم في غاية من الكمال تجذبهم إليها ويقلقون إذا تصوروا انفصالهم عنها فهذا ثوبان مولي رسول الله يقلقه أن فكر في مشاهد القيامة. فعلم انه لن يري رسول الله "صلي الله عليه وسلم" لأنه إن كان في النار فلن يري نبيه. وإن دخل الجنة حالت بينه وبينه مرتبته. وعلم النبي ذلك من حاله واستجاب القرآن لصدق توجهه فأخبر أن من أطاع الرسول كان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين فضلا من الله ومنه. والحق أن التابع المحب شخص فاضل. ففي الدنيا كثير من الأخاء الذين إن علوا. حقروا من دونهم وإن دنوا كرهوا من فوقهم! فما تدري متي تخلو نفوسهم من أحاسيس البغضاء والصنعة؟ وإن أردت أن تسمع تفصيلا أو بعض التفصيل في صفات رسول الله "صلي الله عليه وسلم" التي أهلته للزعامة. فإني أقول لك: إنك إن رأيته ماشيا لوجدت إنسانا يسمي مسرعا كإنما يهبط من مرتفع. جادا في مشيئته كأنما يخلع قدميه من الأرض. لا يرفع وجهه إلي السماء. ولا يقلب ناظريه حوله. إنما نظره إلي الأرض دائماً فإذا ما ناداه غيره التفت إليه بكليته. فإن حدثه غيره تحدث بلسانه ويعينه علي الفهم بحركة يديه. وإذا نظر إلي غيره نظر بقدر ما يحقق قصده من النظر. فإذا سألت عن منطقه؟ فإني أقول لك: انه كان "صلي الله عليه وسلم" متواصل الأحزان. دائم الفكرة ليست له راحة ولا يتكلم في غير حاجة. طويل السكوت. يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه لا بأطراف فمه ويتكلم بجوامع الكلم. فضلا. لا فضول فيه ولا تقصير. ومثار ليس بالجافي ولا المهين. يعظم النعمة وإن دقت. لا يذم شيئا. والكلام في صفات النبي يطول وجماعه في علاقته بأصحابه وانه كان ينزل الناس منازلهم ويتحدث إلي كل إنسان بما يشعره بمكانته فأحبه المسلمون وقبل كل واحد منهم انه يموت ألف مرة ولا يسأل النبي شوكة في قدمه. فصلح للقيادة وصلحت له القيادة.