بعيدا عن الضجة التي صاحبت اعلان اثيوبيا تحويل مجري النيل الأزرق والبدء في تنفيذ سد النهضة - أو ما يطلق عليه سد الألفية - وما سيترتب عليه من اضرار ومخاطر علي كل من دولتي المصب مصر والسودان هناك اسباب داخلية وأوضاع سياسية خاصة بأثيوبيا نفسها دفعتها لهذا الاعلان الذي قامت به الدنيا ولم تهدأ بعد فمع الاستعداد للانتخابات البرلمانية القادمة بدأت الحكومة الأثيوبية في الدعاية لنفسها لكسب المواطنين وضمان بقائها ويبدو ان تحويل مجري النيل الأزرق كان وسيلة لهذا الهدف ليس أكثر ففي اطار الاستعداد للانتخابات البرلمانية أعلنت أثيوبيا البدء في إنشاء سد النهضة بالقرب من الحدود السودانية.. إلا ان محللين سياسيين رأوا ان القرار لا يخرج عن كونه دعاية انتخابية مبكرة بهدف جمع التأييد الشعبي لحكومة رئيس الوزراء مريام ديسالين. وضع المحللون الأحوال الاقتصادية لأثيوبيا نصب أعينهم وبنوا علي أساسها رؤيتهم حول الابعاد السياسية لبناء السد.. فتكلفة سد النهضة تبلغ نحو 8.4 مليار دولار والتي من المتوقع أن تصل في نهاية المشروع إلي 8 مليارات دولار ورغم اعلان الحكومة الأثيوبية انها تعتزم تمويل المشروع بالكامل بعد ان أكدت للشعب الأثيوبي أنه مشروع الألفية العظيم والذي يعد أكبر مشروع مائي يمكن تشييده في اثيوبيا إلا ان الواقع يؤكد ان أديس أبابا تعجز منذ عام 2006 في تكملة سد "جيبي 3" علي نهر أومو المتجه نحو بحيرة توركانا في كينيا بسبب عدم توفر المبلغ المطلوب والذي يصل إلي 2 مليار دولار!! وقد حذر تقرير أمني صدر عن معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية من خطورة استخدام النيل كورقة سياسية في الانتخابات البرلمانية القادمة أو محاولة استخدامه للتسويق السياسي علي المستوي الدولي وذلك علي حساب الأمن الاستراتيجي المائي لمصر موضحا ان استقرار المنطقة بأكملها سوف يصبح وقتها علي المحك. وكشف التقرير عن خطورة استمرار أثيوبيا في بناء السد عن طريق ممولين جدد. ممثلة في الدول الراغبة في تطوير مشروعات المياه والبنية التحتية والاستثمار من خلالها بالقارة الافريقية مثل الصين ودول خليحية وقال التقرير ان قرار اثيوبيا ببناء سد النهضة يضرب بالاتفاقيات الاطارية بين دول الحوض المائي الأطول في العالم عرض الحائط وان مبادرة حوض النيل تفقد دورها كأداة للتفاوض السياسي وضمان الحد المقبول من الاحتياطي المائي لدولة كمصر. ووفقا لآخر التقديرات تصل عائدات دولة اثيوبيا 586.4 مليار دولار والنفقات الخاصة بالدولة 729.5 مليار دولار بينما يصل العجز لنحو 143.1 مليار دولار وتبلغ ديونها 14.4 مليار دولار وهو ما يؤكد ان اثيوبيا ليس بمقدورها وفق مواردها الذاتية تدبير الموارد المالية اللازمة لاستكمال بناء السد وبالتالي قد تعتمد الخطط الاثيوبية أساسا علي اجتذاب مؤسسات تمويل دولية ضخمة مثل البنك الدولي وصندوق النقد بالاضافة إلي مصادر تمويل من بعض الدول التي لها مصلحة في تخزين كميات ضخمة من مياه النيل علي الأراضي الاثيوبية مثل الصين. وبجانب الوضع الاقتصادي يتصدر المشهد الاثيوبي مخاوف اقليمية كبيرة محتملة من شأنها أن تصنع تهديدا مستقبليا لاثيوبيا ولهذا فإن القيادة الاثيوبية قد لا تخصص موارد ضخمة من ميزانيتها في مشروع السد حتي تتمكن من الحفاظ علي الموازنة العسكرية لضمان بقاء الجيش الاثيوبي في وضع أقوي بالنسبة لجارتيها اريتريا والصومال. أما من الناحية الفنية فقد تضاربت التصريحات عن سعة تخزين السد والتي تراوحت بين 11 مليار متر مكعب و3.24 مليار متر مكعب طبقا للدراسة الأمريكية منذ عام 1964 وأخيرا التصريحات التي لا يدعمها أي عمل علمي منشور بسعة 62 مليار متر مكعب من وزير الموارد المائية الأثيوبي و67 مليار متر مكعب من رئيس الوزراء الاثيوبي مع تزامن من تغيير اسم السد مع هذه التصريحات بأسماء شعبية مثل سد "الألفية العظيم" أو سد النهضة العظيم.