من الواضح جليا لمن يتابع الاحداث المتلاحقة في عدد من دول الشرق الأوسط وخاصة العراق وسوريا ولبنان لا يمكن ان ينكر ان الحرب الطائفية قادمة.. ولن تقتصر علي هذه الدول بل ستشمل الشرق الأوسط بلا استثناء وتقسيم دوله إلي دويلات. فقد أصبحت الطائفية اللغة الجديدة في إعادة صياغة السياسات الاقليمية خاصة فيما يتعلق بالانقسام بين السنة والشيعة.. فالمذابح التي يرتكبها النظام السوري العلوي ضد النساء والاطفال صعدت المخاوف من انتقال الحرب الأهلية السورية إلي العراق والبحرين ولبنان. الحرب هذه المرة ليست قادمة من الغرب. انما سببها سيكون نظام الأسد. فما يدور في المدن السورية هو شرارة الحرب الطائفية الاقليمية التي يخطط لها الأسد وحلفاؤه لتوسيع دائرة الصراع في المنطقة وقلب الطاولة علي الجميع. وطبقا للتقارير الواردة من الداخل السوري فإن الأسد يسعي بكل قوة لنشر الفتنة. حيث يقوم بالتضحية بأبناء الطائفة العلوية واجبارهم علي المشاركة في الحرب الأهلية من اجل الدفاع عن نظامه.. وقد أصبحت مدينة طرطوس العلوية مجبرة علي إرسال أبنائها للتطوع في الجيش النظامي.. وليس امامهم خيار غير هذا. حيث ان العلوي اذا حاول الهرب أو النزوح. فإنه في نظر النظام منشق ويجب قتله. حتي وان لم يقتله فتقضي عليه عائلته أو قريته. لذا فهو هالك لا محالة. من سوريا إلي العراق. فالمشهد واحد.. فمعظم مشاكل العراق نبعت من فشل النخبة هناك في التغلب علي النزاعات السياسية والاقتصادية التي تستند إلي أساس طائفي. في الوقت الذي عكف فيه نوري المالكي رئيس الوزراء العراقي علي تعزيز سلطاته واستهداف الزعماء السنة ومحاكمتهم بتهم غالبا ما يكون مشكوكا فيها.. يرجع كل ذلك إلي خوف المالكي من صعود نجم السنة خاصة في حال انتصارهم في سوريا بفضل الدعم الذي يتلقونه من تركيا والمملكة العربية السعودية وقطر. وهو ما قد يدفعهم إلي محاول استعادة السلطة من جديد في العراق مثلما حدث ابان حكم الرئيس الراحل صدام حسين. والي المشهد اللبناني. فقد اكد روبرت فيسك الكاتب البريطاني الشهير خلال زيارته إلي لبنان ان مدينة طرابلس اصبحت ساحة للقتال بسبب الأزمة السورية. موضحا انه ليس ببعيد ان نري مثل هذه المعارك في أي من مدن الشرق الاوسط لتتسع الدائرة. فيسك يكشف ان المعركة في طرابلس طائفية. علوين ضد السنة. الفئة الأولي تدين بالولاء إلي الأسد بالاضافة إلي حلفائهم من الشيعة التابعين إلي حزب الله. وبالتالي تحولت المدينة إلي نزاع بين السنة والشيعة.. وتزداد الأزمة اللبنانية ودخولها في الحرب الطائفية بعد التصريحات الأخيرة التي اطلقها حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله بوقوف مقاتليه إلي جانب نظام الأسد.. وبالاتجاه إلي بلاد المغرب العربي فنجد ان تونس ليست بمنأي عما يدور. حيث يسعي حزب النهضة إلي القضاء علي نفوذ السلفيين المتنامي بعد الثورة التي اطاحت ببن علي.. ويسعي القائمون علي إدارة البلاد إلي القضاء والتخلص من هذه الأزمة بكل ما أوتوا من قوة. الفترة الاخيرة شهدت اشتباكات عنيفة بين السلفيين وقوات الأمن في تونس اسفرت عن مقتل واصابة نحو خمسة عشر شخصا في مدينة القيروان بسبب قرار الحكومة حظر إقامة المؤتمر السنوي للحركة السلفية في المدينة. اما في منطقة الخليج نجد ان بعض الدول استغلت الصراع الطائفي بين السنة والشيعة للتصدي للنفوذ الايراني من جهة. وللسيطرة علي المجتمعات الشيعية عبر تجريد مطالبهم السياسية من جهة اخري. ففي البحرين يوجد تمييز بين مكوني المجتمع في شغل الوظائف الحكومية واستبعاد ابناء الطائفة الشيعية من الحياة الاقتصادية والتمييز ضدها في الأجور والوظائف. ما دفع الشيعة إلي التظاهر واندلاع اشتباكات مع الشرطة.. وهو الأمر الذي يرجح الفتنة الطائفية بين البحرينيين. وبالعودة إلي القرن الماضي وبالأخص في الفترة التي شهدت صراعات بين فلسطين والكيان الصهيوني توحد العرب بكل احزابهم وتياراتهم السياسية ضد عدو واحد مشترك.. اما الحرب القادمة فلن تشهد أي توحد بين العرب اطلاقا بل سينقسم المجتمع العربي إلي شيعة وسنة وكل يقف إلي جانب حزبه وستشتد المعركة حتي تصل إلي تقسيم الدول الكبيرة إلي دويلات صغيرة. لعل أبرز مثال لذلك ما حدث في السودان. فقد كانت من اكبر دول الشرق الاوسط مساحة حتي تم زرع الفتنة والطائفية بين مواطنيها فانقسمت إلي دولتين.. وهذا مؤشر لما سيحدث في كل دولة تطالها الطائفية والفتنة بين أبنائها. من المؤكد ان اشتعال حرب طائفية في الشرق الأوسط ستتمخض عنها بالضرورة تداعيات كارثية ومدمرة لمنطقة الشرق الأوسط برمتها.. ويبدو ان الطائفية ستغتال الربيع العربي قبل ان يكتمل وقبل ان يصل إلي مبتغاه.