مصر هبة النيل.. والنيل هو شريان حياة المصريين فلولا النيل ما كانت مصر.. ومياه النيل تتدفق علي مصر منذ آلاف السنين لم نشعر بالخوف من انقطاعها مثلما نشعر هذه الأيام.. فدول منابع النيل في حاجة متزايدة للمياه رغم ما يسقط عليها من أمطار.. لزيادة الرقعة الزراعية أو للصناعة أو لتوليد الكهرباء وذلك بعد استقلال هذه الدول عن الاستعمار وزيادة تعداد سكانها بنسب كبيرة ومصر أيضا والسودان وهما دولتا المصب لديهما نفس المطالب ولكن لا تسقط عليهما أمطار يعتد بها وكميات المياه الواردة لهما ثابتة ويأتي لمصر 85% من المياه من الهضبة الأثيوبية عبر نهر النيل الأزرق و15% من أعالي النيل في الجنوب. أثيوبيا بدأت في إنشاء سد النهضة علي النيل الأزرق الذي تأتي منه 85% من المياه لمصر وتقول ان بناء السد لتوليد الطاقة الكهربائية بكميات هائلة تحتاجها لعملية التنمية وتقدر الطاقة المنتجة من سد النهضة ب 6 آلاف ميجاوات سوف يصدر رجلها للخارج ولكن مصر تخشي من أن يقلل هذا السد من تدفق المياه إليها ونحن نشعر بقلق كبير خاصة ان اثيوبيا لا تعترف بالاتفاقيات الموقعة لتنظيم المياه بين دول المنابع ودولتي المصب وتعلن انها لم توقع علي هذه الاتفاقيات وانها في حاجة الآن للاستفادة من مواردها المائية لتوليد الطاقة ولا يستطيع أحد منعها من ذلك. وقد تزعمت وحرصت دول المصب للتوقيع علي اتفاقية عنتيبي وتمردت علي الاتفاقيات القديمة التي تتمسك بها مصر والسودان. هذا الأسبوع قامت اثيوبيا بتحويل مجري مياه النيل الأزرق في مديرية بني شنقول علي حدودها الغربية مع السودان تمهيدا لبناء سد النهضة دون انتظار تقرير لجنة الخبراء المشكلة من خبراء مصريين وسودانيين واثيوبيين ودوليين لتقييم آثار السد علي مصر والسودان ما يعني ان اثيوبيا ماضية في تحقيق اهدافها يصرف النظر عن اعتراضات مصر أو السودان ومن يتابع رد فعل المصريين يجد انه ليس علي مستوي الحدث. فالحكومة مرتبكة ولم تضع مخططا للتعامل مع هذه المشكلة الخطيرة التي تهدد البلاد وتعد قضية حياة أو موت ولا شك ان قضية بمثل هذه الخطورة أكبر واعظم من تناولها في مقال أو اثنين أو حتي عشرة مقالات فالعلاقات المصرية الاثيوبية تاريخية ومعقدة وشهدت فترات من الحرب والسلام والتقارب والصداقة وسوء الفهم والشكوك المتبادلة وبشكل عام ودون الدخول في تفاصيل معقدة للمشكلة.. لا يصلح الحال الذي نحن عليه الآن في مصر من انقسام وتناحر في التفكير لكيفية التعامل مع هذه المشكلة الكبري ويجب أن نرتقي ونرتفع لمستوي الحدث.. ونتوحد حكما ومعارضة للتعامل مع هكذا قضية. ويجب أن يترفع من يحاول استغلال قضية بهذا الحجم عن اتخاذها وقودا لزيادة الانقسام الداخلي وتوسيع هوة الخلافات بين الحكم والمعارضة لأن الجميع سيكتوي بهذه النار. ثانيا يجب التعامل مع هذه الأزمة بحكمة بالغة بعد توحيد الصف الداخلي لأنه من المستحيل ان تدخل أمة في معركة خارجية وهي منقسمة داخليا. ثالثا علي كل من يتحدث في الموضوع ببساطة بل وسذاجة ويقول نعلن الحرب ان يصمت ويكون خيار الحرب هو الخيار الأخير فمازال لدينا العديد من الأوراق التي نستطيع أن نستخدمها لو كنا فعلا علي مستوي الخطر الذي تمثله مياه النيل لنا فلدينا القانون الدولي وقوة مصر الناعمة وعلاقاتها الدولية الطيبة مع معظم دول العالم ومنظماته ولدينا المساعدات والخبرات التي يمكن ان نقدمها لاثيوبيا في حال تعاونت. ولدينا اجهزة قوية يمكنها ان تعبث بأمن اثيوبيا التي تعيش وسط حالة عداء مع كل جيرانها تقريبا وخاصة في الشرق والغرب ولدينا أوراق يمكن استخدامها داخل اثيوبيا نفسها كجبهات وقوي واتجاهات.. ولتكن الحرب آخر خياراتنا المرة وليكن آخر العلاج الكي.