في مشهد أعاد إلي الأذهان يوميات الثورة اليمنية. اقتحمت قوات حكومية عراقية ساحة اعتصام الحويجة جنوب غرب كركوك فجر الثلاثاء الماضي. وحولتها إلي ساحة حرب مخضبة بدماء العشرات من المعتصمين السلميين المعترضين علي سياسات رئيس الوزراء نوري المالكي. وجاء إصرار القوات الحكومية علي اللجوء إلي القوة علي الرغم من موافقة المعتصمين علي قيام لجنة تضم نواباً وضباطاً من الجيش والشرطة بتفتيش الساحة للتأكيد من أن المعتصمين ليسوا مسلحين. وسارعت وزارة الدفاع العراقية عقب الاعتداء. إلي الإعلان عن مقتل 20 مسلحاً كانوا يتحصنون في ساحة الاعتصام واعتقال 75 آخرين فضلاً عن العثور علي العديد من قطع سلاح وآلات حادة. وأشارت إلي مقتل ثلاثة من عناصر الجيش فقط وجرح تسعة آخرين في الأحداث. غير أن الحكومة تراجعت في اليوم التالي عن وصف القتلي بالارهابيين. واعتبرت اللجنة الوزارية المشكلة للتحقيق في الهجوم. أن جميع من قتلوا في هذه الأحداث من المتظاهرين هم شهداء ويستحقون جميع الحقوق والامتيازات فضلاً عن إطلاق سراح جميع الموقوفين في تلك الأحداث.. ويقول وزير التربية الذي اعلن استقالته احتجاجاً علي مجزرة الحويجة إنه لو كان هناك أسلحة كما أعلنت القوات الأمنية لسقط عدد كبير من القتلي في صفوف القوات الحكومية.. وكشف أن عناصر ما تسمي قوات التدخل السريع "سوات" هم من افرطوا في إطلاق النار علي المعتصمين. وقال النائب عن القائمة العراقية خالد العلواني إن عملية اقتحام ساحة الحويجة هي مؤامرة تنفذها الحكومة بعدما وصف المالكي ووزير النقل العراقي هادي العامري المعتصمين بالمتآمرين والمتمردين. واستغرب نواب آخرون أن يصدر المالكي بصفته القائد العام للقوات المسلحة أمراً باقتحام ساحة الحويجة ومن ثم يشكل لجنة تحقيقية في الحادث. وعقب المجزرة. انتفضت العشائر العراقية في محافظات كركوك وصلاح الدين والموصل والأنبار. واشتبكت مع القوات الحكومية في تلك المحافظات مما أسفر عن مقتل وإصابة العشرات من الطرفين. يقول الإعلامي والصحفي العراقي حارث الازدي ل "الجمهورية" إن الخطاب الإعلامي للمالكي ينذر بحرب طائفية. مشيراً إلي وصفه للمعتصمين في عدد من محافظات العراق. بأنهم طائفييون ومتمردون ووصفه للمظاهرات المنددة به ب"النتنة". لكن الاعتصامات التي دخلت شهرها الخامس. مطالبها سلمية ولم يتخذ المعتصمون اتجاها طائفياً ولم يستهدفوا الشارع الشيعي. وإنما يرفعون شعارات تطالب برفع الظلم الواقع علي جميع العراقيين. بحسب الازدي.. ويضيف أن المالكي يسعي منذ زمن لمواجهة المعتصمين وإنهاء هذه التظاهرات المقلقة. مشيراً إلي أنه هاجم ساحة الحويجة بقوات سوات وبمشورة إيرانية. واختار ضرب السنة فيها. لم تمثله من نسيج اجتماعي. يضم التركمان والشيعة والسنة. ظن المالكي أنه قادر علي اللعب علي أوتاره غير أنه فوجئ بهذه الانتفاضة العشائرية. أشار الازدي إلي أن انتفاضة العشائر لمقتل أبنائها في الحويجة. لم تكن موجهة إلي الشيعة ولم تستهدف الشرطة المحلية أو دوائر الدولة. وإنما تصدت لميليشيات سوات. المرتبطة بمكتب المالكي حصرياً والتي تمول من ميزانية الدولة. من جانبه يقول المحلل السياسي العراقي سبهان الجنابي إن الحكومة حاولت باقتحام ساحة الويجة. اختبار المعتصمين وتقديم درس لساحات الاعتصام الأخري. لكنها فتحت باب أزمة كبيرة تهدد مصير الوحدة الوطنية. ويبدو الاخطر من ذلك اتهام سياسيين عراقيين للمالكي بالسعي إلي إشعال حرب طائفية تنفيذا لأجندات خارجية وخصوصاً إيرانية وهو لا يهمه أن يسيل الدم العراقي أم لا. في وقت حذر فيه المالكي العراقيين من "فتنة كالنار لا تبقي ولا تذر".