مشكلة بعضنا مع القضاء. أنه يريد للقضاء أن يقضي بما يريده.. وألا يقضي فيما لا يريده.. فإذا قضي ولم تكن الأحكام علي هواه.. كان القضاء فاسداً.. ومسيساً. وفلولاً.. ولابد من تطهيره. ولما كان من المستحيل أن يرضي أي حكم كل الأطراف.. فإنه طبقاً لهذا المنطق سيبقي القضاء متهماً بالفساد.. ومتهماً بالتسيس.. ويمكن أن ينتقل شعار تطهير القضاء من طرف إلي آخر.. طبقاً لتغير الأوضاع.. وتقلب الظروف. ولا يمكن لوضع كهذا أن يكون مقبولاً.. ومهما كان رأي البعض في القضاء.. فيجب أن يخضع الجميع للقضاء.. ويجب أن يمتنع الجميع عن المساس بالقضاء.. أو التعليق علي أحكامه. ونحن ندرك.. ونلمس عدم رضاء السلطة التنفيذية عن القضاء.. وعدم تقبلها لأحكامه.. وحديثها عنه بغير ما تضمر له أحيانا.. وعدم قدرتها علي كظم ضيقها به في أحيان كثيرة. ونحن ندرك أن السلطة التنفيذية لم ترفع يدها بعد عن السلطة القضائية.. ومازال القانون يمنح السلطة التنفيذية قدراً كبيراً من التدخل في السلطة القضائية.. ومازال وزير العدل يستطيع أن يحيل القضاة إلي التفتيش القضائي بسبب.. أو لغير سبب.. وقد كان تغيير تبعية هذا التفتيش أحد المطالب الهامة لتحقيق استقلال القضاء.. ولكنه بقي سلاحاً في يد هذه السلطة تشهره عند اللزوم.. وأعلن وزير العدل أكثر من مرة أنه سينقل تبعية هذا التفتيش إلي المجلس الأعلي للقضاء.. ولكنه لم يفعل. وإلي هذا. يتم الأن أيضاً إشهار سلاح بتر ثلاثة آلاف أو أكثر من القضاة.. بسن قانون جديد.. يعود بسن الإحالة إلي المعاش إلي الستين. والبعض الآخر يرفع الآن سلاح سن قانون جديد للسلطة القضائية.. دون انتظار لمجلس النواب الجديد صاحب السلطة الأصيلة في التشريع.. والهدف المعلن.. يخفي الهدف الأصيل وراء هذه الرغبة. ومع إني لا أرتاح كثيراً إلي فتاوي المستشار محمد فؤاد جاد الله.. وأشك كثيراً في أنه كان وراء الكثير من القرارات التي أدت إلي ما نحن فيه من انقسام وفرقة.. إلا أني رأيت في كلماته التي نشرتها الزميلة "الشروق" ما قد يبدو محاولة للعودة إلي طريق الصواب.. أو لرأب جزء من الصدع.. بل الصدوع والشقوق التي نعاني منها جميعاً. يقول المستشار جاد الله ان الوقت الحالي "ليس مناسباً لخفض سن تقاعد القضاة.. أو الصدام بين النظام والسلطة القضائية".. وقد يعني هذا انه يوافق ضمناً علي خفض هذا السن.. ولكن ليس الآن. وهو يدخل القوات المسلحة مع القضاء ضمن المؤسسات التي تحتاج إلي إصلاح. إلا أنه يقول أن هذا "الإصلاح والتطهير يجب أن يتم من داخل هذه المؤسسات"..!! ويري جاد الله ان حل الأزمة الحالية.. يتطلب "البدء في حوار هادئ وبناء بين الرئاسة والهيئات القضائية وبصفة خاصة بين الرئاسة ومجلس القضاء الأعلي. والحوار أمر طالما نادينا به.. والكل يعلن عن رغبته في الحوار.. دون أن يتقدم أبعد من ابداء الرغبة. إننا ندعو الجميع إلي أن يرفعوا أيديهم عن القضاء.. وأن يلتزموا بتنفيذ أحكامه حتي ولو كانت علي غير هواهم.. وأن يقبلوا بأحكامه حتي وإن ضاقوا بها.. ففي ذلك صلاح الوطن.. واستقراره.