* أصبح وصول أول سياح من إيران بعد قطيعة أكثر من ثلاثين عاما حدثا يثير الانقسام حوله.. ولكنه لا ينبغي أن يكون كذلك إذا نظر اليه من منظارين.. أولهما المصلحة الاقتصادية المتحققة من أفواج هذه السياحة.. والثاني هو الثقة في أنفسنا.. وقدرتنا علي التعامل مع أي فكر قد يختلف مع فكرنا. * أما المصلحة الاقتصادية من وصول هؤلاء السياح فذلك أمر لا شك فيه.. فهم يعيدون الحياة مرة أخري إلي مناطق تأثرت بالغ التأثر بما تمر به من ظروف عدم الاستقرار.. والانفلات الأمني.. والانشقاق الذي يدفع إلي كل المعاناة والقلق والإحباط الذي نعيشه. * وأما الثقة في أنفسنا.. فذلك أمر لا ينبغي أن نقلل منه.. وأن نظن ان بضعة سياح يلتقون بأعداد من المواطين.. في أي تعاملات تجارية.. أو أي مزارات سياحية أو أثرية أو حتي دينية.. قادرون علي التأثير علي عقيدة من يلتقون بهم.. ودفعهم إلي التشيع.. ذلك أمر موضع شك كبير.. بل هو أمر في حكم المستحيل.. ويكفي أن ننظر إلي الشيعة المصريين.. وهم يعيشون بيننا ليل نهار.. مواطنين لهم كل الحقوق.. وعليهم كل الواجبات.. ونسأل هل استطاع هؤلاء أن يضيفوا شيعة جددا إلي أعدادهم المتواضعة.. رغم انهم يقيمون ليل نهار.. وفرصتهم في التأثير علي غيرهم هي بلاشك لا تقارن بسائح يمر مرورا في زيارات عابرة! * علينا أن نتخلي عن شكوكنا.. ويبقي حذرنا إلي أن تكون هناك وقائع ملموسة.. وعندئذ يكون لكل حادث حديث.. * ولعلي أعيد اليوم لمن لم يقرأ في الأسبوع الماضي ما كتبته عن تركيا واستقبالها لأفواج السياحة الايرانية.. وحفاوتهم البالغة بالسياح الايرانيين سواء في منشورات سياحية باللغة الفارسية توزع في المطارات وفي مختلف المناطق السياحية.. أو بلا فئات الترحيب في الشوارع.. أو علي واجهات المحال التجارية.. وكلها باللغة الفارسية.. * فمنذ وصلت إلي مطار اسطنبول ثم إلي مطار انتاليا وأنا أجد نشرات الدعاية السياحية الموجهة إلي الايرانيين. باللغة الفارسية. كما أن لوحات الترحيب بالسياح الإيرانيين تنتشر بالمطار وكذلك في شوارع انتاليا. انتشرت علي واجهات المحلات التجارية كلمات الترحيب باللغة الفارسية.. في الشوارع أيضا تجد لافتات الترحيب والدعوة إلي التسوق للسياح الإيرانيين وباللغة الفارسية. * باختصار ماذا يعني هذا؟!.. يعني اهتماماً تركيا بالسياحة الإيرانية.. ويعني أن السياح الإيرانيين يتدفقون علي تركيا.. حتي أن المحلات في شوارع انتاليا توجه لهم كلمات الترحيب باللغة الفارسية.. ويعني اهتماماً بالغاً بسياحة التسوق بالنسبة للسياح الإيرانيين.. وسياحة الشواطئ التي يتجه إليها نحو 90% من سياح إيران. * أما هنا في مصر فنحن نعيش أسري بعبع التشيع.. ومع ادراكي لخطورة مبدأ التبشير نفسه علي هذا الوطن.. والتبشير بالتشيع أو بغيره.. فإني أثق أن وعي هذا الشعب يمنعه من الوقوع في هذا الشرك.. كما أن جهد الأزهر في هذا الشأن لا ينبغي إغفاله.. وكذلك دور العبادة وخطباء المنابر أيضا.. كلهم يستطيعون بذل كل جهد في سبيل تنوير وتوعية المواطنين. خاصة البسطاء منهم.. وليس بسبب السياحة الايرانية.. وإنما لمواجهة أي فكر وافد.. بأي وسيلة أخري التشيع لا يحتاج للسياح.. * ومن هنا مع احترامي لمخاوف الكثيرين. وفي مقدمتهم التيار السلفي. من تأثير سلبي للسياحة الإيرانية علي عقائد بعض المصريين. وامكانية التأثير عليهم من بعض السياح الإيرانيين القادمين لمجرد السياحة الثقافية. وهي مخاوف مبعثها بلا شك الرغبة في الحفاظ علي هوية المصريين الدينية وحرصهم علي ألا يشق أحد الصف الإسلامي السني في مصر. فإني أري أن الأمور ينبغي أن ينظر إليها في إطار الثقة في مكانة عقيدة أهل السنة. وفي إطار الثقة في وعي المواطن المصري.. كما ينبغي أن ينظر إليها أيضا في إطار أن العالم كله أصبح قرية واحدة. وأن القنوات الفضائية الآن تنقل في أي لحظة كل ما يريد أي طرف أن ينقله إلي الطرف الآخر. * في هذا الإطار أيضا لدينا نموذجان.. وعلينا أن ننظر في مدي تأثيرهما.. هناك القنوات المسيحية التبشيرية التي تأتينا من خارج البلاد ومن داخلها.. هل استطاعت أن تحول مسلماً عن عقيدته؟.. ثم لدينا أيضا القنوات المسماة بالدينية ولا أعتقد أن هذا الوصف ينطبق عليها.. أو علي معظمها.. لأن ما ينقل عنها من إسفاف وسباب المتحدثين فيها.. قد أبعد المشاهد تماماً عن أي رسالة أرادوا نقلها إلي المشاهد.. وهذا المشاهد أصبح واعياً بكل ما يقدم.. ولا يمكن أن يضحك عليه أحد.. حتي ولو باسم الدين.. وربما تابع وشاهد.. ولكنه لن يقتنع.. بل علي العكس ازداد الابتعاد. * خلاصة القول إننا لا يجب أن نمنع خيراً يمكن أن يضيف إلي اقتصاد الوطن.. ويفتح مجالات جديدة للعمل أمام شبابه.. لمجرد شكوك قد لا تثبت صحتها.. وحتي إذا ثبتت صحة هذه الشكوك فعندئذ كما قلنا لكل حادث حديث. منتجع يقدم لتركيا ثلث سياحتها * أعود إلي الحديث عن أنتاليا.. هذا المنتجع التركي الذي يجذب نحو تسعين في المائة من السياحة الإيرانية الزائرة لتركيا.. وهو الأمر الذي رأي معه هشام زعزوع وزير السياحة أنه قد آن الآوان لكي تأخذ منتجعات مصر ومقاصدها للسياحة الثقافية في الأقصر وأسوان بنصيب من هذه الحركة السياحية الخارجة من إيران.. لكن علينا الآن أن نرحب بضيوفنا.. ولعلنا نفعل كما فعل الأتراك. * أنتاليا Antalya هي حاملة اللواء في السياحة التركية.. إذ تجتذب وحدها نحو ثلث السياحة القادمة إلي تركيا.. ففي عام 2012 كان عدد السياح الوافدين إلي تركيا يصل إلي ما يقرب من 32 مليون سائح.. وبالتحديد 31 مليوناً و782 ألفاً و832 سائحاً.. ووصل الدخل السياحي إلي 29 مليار دولار و351 مليوناً و447 دولاراً.. أي بمتوسط إنفاق يصل إلي نحو 800 دولار للسائح الواحد "798 دولاراً". * أنتاليا Antalya زارها في عام 2012 نحو عشرة ملايين ونصف الميون سائح بالتحديد "10491267 سائحاً" أي أن هذا المنتجع وحده قدم لتركيا باحتساب متوسط إنفاق السائح الواحد 798 دولاراً. ما يقدر بنحو ثمانية مليارات و372 مليوناً و31 ألف دولار. * وتعتبر الجنسية الأولي بين السياح الوافدين إلي أنتاليا هي الألمان الذين يشكلون أكثر من ربع سياحها "28%" ويليهم الروس.. أكثر من الربع أيضا "81.26%" وإذا أضفنا إليهم الأوكرانيين "17.3%" أصبح مجموع الروس والأوكرانيين معاً حوالي 30% من السياح إلي أنتاليا.. ويلاحظ أن عدد السياح الألمان هبط بنحو 8.12% في أول شهرين من عام 2013 في الوقت الذي ارتفع فيه السياح الروس بنحو 3.11%. * نعود مرة أخري إلي ضرورة أن نتعامل مع السياح الايرانيين كضيوف.. كما نتعامل مع باقي السياح.. حتي من يأتي من اسرائيل.. ومهما كانت ديانته.. وحتي ولو كان بلا دين ونحن لا نفتش في ديانة الوافدين إلينا. * ولا يمكن أن يقبل ما يقول به البعض انه سيسير وراءهم ليجعلهم ينفرون من زيارتهم.. أو يندمون علي زيارة مصر.. فهذا لا يقبل دينا.. ولا قانونا.. بل هو يأتي في إطار التحرش ومضايقة السياح.. وهو ما يسيء إلي مصر.. وإلي كل مصري.. ويخرج عن طبيعة المصريين في الترحيب بضيوفهم واحاطتهم دائما بكرم الضيافة.. ولن يكون المصري في النهاية إلا مصرياً..