كان يشعر بدنو أجله لذلك حرص علي وداع الجميع بصورة كانت ملفتة ومثيرة.. فقبل سفره للإمارات بثلاثة أيام تحدثنا هاتفيا وقال لي: "خلي عندك دم.. كلها يومين ومسافر.. وعاوز أشوفك".. قلت له سآتي إليك غدا عندما تأتي للجريدة.. وبالفعل ذهبت إليه وتحدثنا مع بعض قرابة 15 دقيقة.. ثم ودعته وانصرفت. من المشاهد المؤثرة أيضا عندما أوصي زوجته بأمه.. وأوصي والدته بزوجته وبناته.. قائلا لكل منهن "أنا مسافر ومطول المرة دي".. ثم تتجلي قمة الشعور بقرب الموت.. عندما قال: ان عبدالحليم حافظ ولد في 21/6 وأنا أيضا ولدت في نفس التاريخ.. وعبدالحليم حافظ رحل في شهر مارس.. وأنا أيضا سأموت في شهر مارس. أيضا من المواقف التي يجب أن أتوقف أمامها طويلا.. عندما قال لقد أنهيت دراستي مبكرا بلا اخفاقات.. وتزوجت وأنجبت مبكرا وعملت وتقلدت المناصب في سن صغيرة.. وسأرحل عن الدنيا أيضا بشكل سريع ومبكر. محمد عيداروس لم يكن صديقا عاديا.. بل كان نعم المعلم والناصح الأمين والمخلص والوفي والكريم مع كل زملائه.. فقد كان رحمه الله يحمل بين جنباته قلبا كبيرا يتسع للجميع بمن فيهم من اختلفوا معه.. وحتي ولو وصل الخلاف بينه وبين أحد إلي الذروة.. كان كالطفل يصفو بكلمة بسيطة.. ومن فرط رقة مشاعره واحساسه بغيره كنت دائما أمزح معه وأقول له: "أنت عامل زي أحمد مظهر.. قلبك مفتوح للناس كلها".. فكان يرد علي مزاحي بابتسامة رقيقة.. لا تخلو من العتاب. رحم الله الأستاذ محمد عيداروس الذي علمني الكثير.. وكان عونا لزملائه.. معطاء بلا انتظار للمقابل.. جاء إلي الدنيا ورحل منها كالنسمة الرقيقة التي أسعدت من حولها وتركت ريحا عطرة.. يتحاكي الجميع بجمالها أبد الدهر. ** كلمة لابد منها: صديقي محمد عيداروس.. أجمل اللحظات وأصدقها تلك التي كنا نعيشها سويا.. تلفحنا أشعة الشمس.. ونسهر معا علي ضوء القمر.. ونختبيء خلف الكلمات.. ونتراشق بالحروف.. وننام ونصحو علي سطح ورقة.. أو بين أزرار لوحة مفاتيح.. نتوهج مثلما تتوهج شاشات الكمبيوتر.. بالشوق.. بالحب.. بالحنين.. نتوهج ونتوهج داخل الحبر.. نتنفس بعمق داخل تطرف مزاج الكلمات.. وجنون الأبجدية.. وشطحات العاطفة.. وطقطقات أزرار التليفون والكمبيوتر.. وأزرار تقاطعنا مع الكلمات.. والانخطاف أمام لغة تستعصي علينا.. وأبجدية تتمرد أمام لحظة الكتابة. رحمك الله وألهم ذويك الصبر والسلوان.