الإخراج الصحفي مهنة شاقة وجميلة. شاقة لأنها تستلزم البقاء في الجريدة لساعات طويلة. وجميلة لأنها تجعل الصحفي يكتشف مواهبه بنفسه لأن هناك جيلاً بلا أساتذة. وكان زميلنا الراحل محمد عيداروس "1971-2013" واحداً من هذا الجيل لذلك كان أستاذاً لنفسه. واذكر عام 1999 عندما قالت لي الناقدة الكبيرة ماجدة موريس "طالما مش عايز تشتغل بالليل ترشح مين يشتغل مكانك؟".. قلت لها بسرعة: محمد عيداروس.. وكانت أول مرة تسمع هذا الأسم. وانتقل بعدها من الجمهورية إلي شاشتي المولود الجديد في دار التحرير آنذاك. وحظي عيداروس بثقة وإعجاب ماجدة موريس ثم بثقة وحب خيرية البشلاوي. وأصبح رقم "2" إن لم يكن رقم واحد في المجلة وكتب مقالاً أسبوعياً وأصبح نائباً لرئيس التحرير خلال سنوات قليلة. محمد عيداروس متعدد المواهب عنيد لا يعترف بالحلول الوسط. عندما يعمل كان لا يعرف قيمة للوقت. من الممكن أن يظل جالساً إلي مكتبه من الثانية ظهراً حتي منتصف الليل يعمل بلا توقف وأحياناً لا يأكل ويشرب السجائر وكميات هائلة من "كبايات" القهوة السادة. وهي عادة سيئة بلا شك حذرته منها لكنه كان يتعامل معها كنوع من القدر لافكاك منه!!. كان بالنسبة لي مثل القطار الذي لا يتوقف في المحطات. وعندما وصل إلي محطة اللاعودة في شاشتي انطلق بعيداً عنها واتجه إلي "بوابة الجمهورية" التي أعاد لها الحياة خلال شهر وبأقل الإمكانيات أصبح لها شأن بين بوابات الصحف المصرية. وبعد الثورة أصدر ثلاثة كتب: "كل حريم الهانم" و"متجمعين في طره" و"العشرة المبشرين بحكم مصر". ورغم هذا النجاح والتألق لم ينس الإخراج الصحفي وأصبح المشرف علي الكتالوج الرسمي لمهرجاني الإسكندرية والقاهرة السينمائيين. وبسبب ذلك أصبح مطلوباً لتصميم كتالوجات المهرجانات الخليجية.. فقد رفضوا شغل الأجانب وفضلو "ماكيت" عيداروس. كان طاقة عمل هائلة لذلك زادت "الأحمال" علي القلب فتوقف فجأة يوم الجمعة الماضي. وهو في رحلة عمل بأبوظبي. رحم الله محمد عيداروس الذي لم نستفد منه كما ينبغي رغم كل ما ذكرته. وهذا من عجائب ذلك الإنسان الذي لن ننساه أبداً.