استيقظت فجأة لأجد الوطن قد اختفي وتحول إلي أرض خراب من كل شيء.. فركت عيني في ذهول وأخذت أردد: خير الله اللهم أجعله خير.. فين مصر؟ وبعد ساعات من البحث الشاق عن أي معلم ولو مئذنة واحدة من الألف ولو هرم واحد من الثلاثة ولو ترعة صغيرة رفق من النهر الكبير بتاع ماشربتش من نيلها لم أجد شيئا؟ لا الناس ولا البيوت ولا الأماكن لكن في عز احباطي ويأسي لمحت كهلا منزويا في ركن من الوطن مخبئا رأسه بين كفيه. هززته في رفق فانتبه لي وسألته البلد راحت فين يا عم الحاج؟. ابتسم الرجل في هدوء وقال انت كنت فين يا ابني؟ وازاي ماتعرفش.. اجبته: أنا كنت واخد تعسيلة بعد الشغل صحيت مالقيتش مصر. رد العجوز: تعسيلة من 30 سنة ده انت من أهل الكهف. العبارات السابقة سطرها الزميل محمد عيداروس الكاتب الصحفي بالجمهورية في مقدمة كتابه القيم "متجمعين في طرة" الصادر حديثا والذي يتناول فيه يوميات الكبار في سجن مزرعة طرة من خلال رؤية ادبية ساخرة. واستكمالا لحواره مع العجوز قال عيداروس: وضعت يدي علي رأسي محاولا ان اتذكر آخر الاحداث التي عايشتها قبل ان ادخل في النوم بالكاد تذكرت حرب اكتوبر.. ومعاهدة السلام وحادث المنصة.. ورفع العلم علي طابا.. ثم اندفعت قائلا: أنا آخر حاجة فاكرها طابا. رد العجوز ساخرا: طابا.. طاب سأتركك يا مولانا ثم اشاح الرجل بيده وقال ابعد عني يا ابني أنا مش ناقص وجع دماغ كفاية اللي أنا فيه. واضاف عيداروس وبعد مزيد من المحايلة وسيل من الرجاء بدأ العجوز يحكي لي حواديت ثلاثين عاما من الفساد والرشوة والمحسوبية والتوريث وكلما ابديت دهشتي فتحت فمي علي مصراعيه مثل "باب زويلة" ابتسم الرجل من عبطي وقال: استني شوية.. ما خفي كان أعظم.. ثم اتحفني بحدوتة أغرب مما سبقتها وروي لي من عبارات الموت وعمارات الموت وقطار الصعيد المعروف أيضا بقطار الموت حريق قصر ثقافة بني سويف حتي انني تعجلت وقلت له: يبقي علشان كدة الناس خلصوا.. فاجبني لا طبعا رغم كل اللي ماتوا الناس ماخلصوش.. استني شوية.. ثم اكمل ليحدثني عن مؤسسات الدولة وهيبة الدولة أمن الدولة واندهشت بشدة لأنه رغم كل هذا قصد هناك دولة. أكد المؤلف ان العجوز روي له حكايات مثيرة أخري ثم قص لي حواديت الانتخابات التي بدأت بالمعتقلات وانتهت بنجاح الوطني بالتبات والنبات وحكي عن ملف التوريث من أول اسم النبي حارسه وصاينه.. "جيمي" أما أسس جمعية المستقبل لحد ما مسك لجنة السياسات وبدأ يكون عصابة الخصخصة والعك في البيع واللغوصة ويشرعون سويا في بيع مصر بدأوا بالشركات ثم الأراضي ثم القطاع العام وقالوا ان كل ده علشان الشعب.. ثم باعوا السد العالي والهرم وأبوالهول وبرج القاهرة وبرضه كل ده علشان نفس الشعب وفي النهاية باعوا الشعب نفسه وتركوا البلد علي الأرض زي ما أنت شايف كده وحتي الأرض دي الملاك الجدد هاييجوا يستلموها بعد شوية وأنا أنت لازم ندور علي بلد تانية نعيش فيها. وتحت عنوان "عيد ميلاد أبوالفساد" قدم لنا الزميل محمد عيداروس سيناريو جميلا بصورة ساخرة عن استعدادات سجن مزرعة طرة لعيد ميلاد الرئيس السابق قال: السجن يموج بالحركة والحوش تحول إلي خلية نحل وانتشرت مجموعات العمل هنا وهناك لتجهيز المكان لاستقبال الاحتفالية الكبري في منتصف الحوش جلس عزمي والشريف يضعون علي اعينهم نظارات سوداء ويتابعون ما يجري حيث يقول الشريف: يعني يا دكتور مش كان كفاية الحفلة اللي في الزنزانة الذكية بتاعة نظيف واضاءة وسيمون فيميه زرقا سموكينج وجو احسن من الحوش والبهدلة دي.. يرد عزمي مبتسما: لا أنت ماتعرفش مزاج سيادته قدي.. لازم يحس ان الدنيا كلها فرحانة بيه.. لازم يبقي قريب من نبض المساجين وكام رقصة علي كام غنوة.. وكاميرات تنقل الحلقة علشان سيادته يحس انه فعلا ابو كل المساجين. وتحت عنوان "اللي مابيفهموش بيشجعوا الحكومة" قال الزميل والصديق محمد عيداروس جلس الشريف والعادلي وجرانة والفقي في الزنزانة المكيفة أمام التليفزيون وأمهامهم زجاجة بيبسي من الحجم الكبير بتابعون برلمان طرة السخن وفي الشاشة ظهر د.عزمي متحدثا بانفعال مبالغ فيه قائلا: كفاية فساد بقي في محليات السجون.. الطرق بايظة والمحسوبية منتشرة والرشاوي علي كل لون.. يا سادة الفساد في محليات طرة بقي للركب.. هنا صفق الأربعة محيين عزمي ووقف الفقي يعرب عن اعجابه قائلا: يسلم فمك يا دكتور عزمي وجرانة بحماس: بجد الراجل ده قلبه علي طرة.. وفي الخلفية أتي صوت قائلا: اللي مابيفهموش يشجعوا الحكومة واحنا معاهم! ونهاية يمكن القول انني وبأمانة شديدة ان زميلي وصديقي محمد عيداروس جعلني اقضي ليلة كاملة بسجن مزرعة طرة أثناء اطلاعي علي فصول كتابه القيم والشيق.. تحية خاصة إلي الكاتب الساخر محمد عيداروس علي هذا الجهد الطيب لاخراج هذا الكتاب المميز إلي النور والذي يعد اضافة للمكتبة المصرية والعربية. [email protected]