الرخصة في اللغة العربية تطلق علي معان كثيرة منها: التيسير والتسهيل. والرخصة في اصطلاح الفقهاء: تطلق علي الحكم الثابت خلاف الدليل لعذر. ويعبر عنها ايضا بأنها: الحكم المتغير إليه السهل لعذر مع قيام السبب للحكم الأصلي. والرخصة تقابلها العزيمة. فلا تعرف الرخصة إلا بمعرفة العزيمة. والعزيمة في اللغة بمعني القصد المؤكد. وأما العزيمة في اصطلاح الفقهاء فهي عبارة عما لزم العباد بإيجاب الله تعالي علي سبيل الأصل. فإذا كان أكل الميتة محرماً فإن هذا التحريم عزيمة» لأنه حكم الأصل. أما إذا كان المسلم في مخمصة - أي ضرورة - فإنه يجوز له أن يأكل من الميتة ترخصاً. وإذا كانت صلاة الظهر والعصر والعشاء في حال الحل أو الإقامة فإنه يجب أن تكون رباعية علي صفة العزيمة» لأنه الأصل. فإذا سافر المسلم أتي بها ركعتين قصراً علي وجه الرخصة. وهكذا لا تعرف الرخصة إلا بمعرفة العزيمة. وتنقسم الرخصة باعتبارات مختلفة. ومن تلك الاعتبارات: اعتبار الحكم واعتبار الحقيقة واعتبار نوع التخفيف واعتبار السبب. "1" أما اعتبار الحكم فإن الرخصة قد تكون واجبة مثل أكل المضطر من الميتة لانقاذ حياته عند الجمهور. وقد تكون مندوبة مثل قصر الصلاة الرباعية للمسافر عند الجمهور. وقد تكون مباحة مثل البيع علي وجه السلم وهو تعجيل الثمن مع تأخير السلعة إلي أجل معلوم. وقد تكون الرخصة علي خلاف الأولي مثل الفطر في رمضان بالنسبة للمسافر الذي لا يشق عليه الصوم. "2" وأما اعتبار الحقيقة فإن الرخصة قد تكون حقيقية مثل الترخيص في إجراء كلمة الكفر علي اللسان مع اطمئنان القلب بالإيمان عند الإكراه الملجيء بالقتل أو الإتلاف. وقد تكون الرخصة مجازية. وهي رخصة الإسقاط مثل إسقاط حكم قتل النفس لصحة التوبة. وإسقاط حكم قرض موضع النجاسة من الثوب للطهارة. وهي من الأحكام التي كانت في الشرائع السابقة فسقطت في شريعتنا من باب التيسير والرخصة المجازية. "3" وأما اعتبار نوع التخفيف فإن الرخصة قد يكون إسقاطاً للعذر. كما ثبت في الصحيحين أن النبي. صلي الله عليه وسلم. كان يأمر أصحابه في الليلة الباردة وفي الليلة المطيرة أن يصلوا في رحالهم. ومثل إسقاط وجوب الجمعة للأعذار المشروعة من المرض أو السفر. وقد يكون التخفيف تنقيصاً مثل قصر الصلاة الرباعية أو الإيماء بدلاً من الركوع والسجود للمريض. وقد يكون نوع التخفيف إبدالاً مثل إبدال الوضوء والغسل بالتيمم عند انعدام الماء. وقد يكون نوع التخفيف تقديماً أو تأخيراً. مثل جمع صلاتي الظهر والعصر في وقت أحدهما تقديماً أو تأخيراً في السفر. وقد يكون نوع التخفيف إباحة مع قيام المانع مثل العفو عن بعض النجاسات التي يعسر التحرز منها كدم الناموس والبراغيث. "4" وأما اعتبار السبب فإن الرخصة قد تكون بسبب الضرورة مثل أكل الميتة عند المخمصة. وقد تكون بسبب الحاجة مثل المزارعة والمساقاة والاستصناع ولبس الحرير واستعمال الذهب والنظر إلي العورة للعلاج وغير ذلك مما أجيز علي خلاف القياس للحاجة. مما سبق يتضح أن الرخص لا تختص بالعبادات وإنما نجدها في المعاملات ايضا» لأن شرع الله عز وجل جاء لمصلحة الإنسان في الدنيا والآخرة. وصدق الله حيث يقول: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" "المائدة: 3".