زارت "الجمهورية" قطاع غزة وقامت بجولة في كل القطاع بدعوة من قافلة "شعراء بلا حدود" التي شاركت في المهرجان الشعري الكبير الذي أقيم بمدينة غزة بمشاركة عشرات من الشعراء من مصر والعراق وموريتانيا والأردن وفلسطين وعقدوا عدداً من الأمسيات الشعرية في كل المناطق. مرت القافلة بمساحات كبيرة من الأراضي التي تصلح للزراعة بسيناء علي طول الطريق حتي معبر رفح الحدودي الذي يبعد عن القاهرة 400 كيلو رافقنا خلال هذه المسافة دوريات أمنية مصرية. وصلت الناقلة بعد أن تم إنهاء الإجراءات الأمنية ووصلنا إلي الجانب الفلسطيني الذي يبتعد عن المعبر المصري بنحو 500 متر تقريبا. اصطف العشرات من أبناء القطاع لاستقبال الضيوف علي رأسهم "عاطف عسقول" مندوب وزارة الثقافة الذي رافق الناقلة طوال مدة الزيارة.. وقدم أبناء القطاع التمور والقهوة العربي لنا. توجهت القافلة إلي داخل قطاع غزة دون مرافقة أي قوة أمنية ومررنا بمدينة رفح الحدودية التي تقع أسفلها شبكة الأنفاق الحدودية التي تستخدم في تهريب المواد الغذائية ومواد الوقود والبناء خاصة الأسمنت والحديد من الجانب المصري والتي تمنع إسرائيل وصولها عبر معبر كرم أبو سالم. وجه الفلسطينيون في المعبر رسالة إلي الشعب المصري أكدوا فيها أن أبناء قطاع غزة يعتبرون أنفسهم جزءا من الشعب المصري ويسعدهم ما يسعد الشعب المصري ويؤلمهم ما يؤلمه ولا يمكن أن يشكلوا خطرًا علي أمن مصر القومي. طالب الفلسطينيون السلطات المصرية بتحويل معبر رفح الحدودي إلي معبر تجاري بجانب معبر الأفراد والإسراع في انشاء منطقة تجارة حرة بين الجانبين وحل مشكلة المبعرين أمنيا من دخول مصر خاصة أن منهم المرضي وكبار السن. فيما عبر البعض عن حزنهم مما يحدث في مصر في أحداث تؤثر علي استقرار وأمن الشعب المصري مؤكدين أن الأنفاق الحدودية لا يمكن أن تستخدم لتهريب أسلحة أو مخدرات لمصر. وصلنا لمدينة خان يونس والتي يصل عدد سكانها لأكثر من 500 ألف فلسطيني مساء حيث تنتهي الحياة مبكراً في مدن القطاع بسبب حالة الكساد التجاري الرهيب بسبب الحصار وارتفاع الأسعار بشكل كبير حيث تصل قيمة أي شيء عشرة أضعافه في مصر. زارت الجمهورية مدن غزة وخان يونس ودير البلح والقرارة والمخيمات الفلسطينية النعيرات ورفح ومستشفي دار الشفا بغزة ومستشفي ناصر بخان يونس والمسجد العمري والمسجد التشريعي الفلسطيني ومنزل د. اسماعيل هنية رئيس الحكومة ومحررات "حوش قطيف" والتي كانت تسمي بالمستعمرات والجامعة الإسلامية في غزة وكلية فلسطين التقنيرة بخان يونس ومقر جريدة الرسالة ومبني بلدية خان يونس وشارع الشهيد مصطفي حافظ والساحة الخضراء. الزائر لقطاع غزة للمرة الأولي تتغير انطباعاته نهائيا فمنذ ان دخلنا أراضي القطاع كل شيء طبيعي وتم إعادة بناء ما تم تدميره في الحرب وتجد المساحات الخضراء في كل مكان وأشجار الزيتون في كل الشوارع وتقوم البلديات بإعادة تنسيق الشوارع بشكل لافت. أهالي القطاع يوجهون الشكر لمصر لمساعدتهم ودعمهم خلال العدوان خاصة بعد زيارة الوفد المصري بقيادة رئيس الوزراء أثناء حرب "حجارة السجيل" الأخيرة. مدينة غزة تتميز بالجمال والتنسيق والبنايات الشاهقة والأبراج الحديثة التي تماثل الأبراج في أوروبا حيث يغلب عليها الطابع الجمالي فيما لا تتزايد منازل الفلسطينيين في مدن رفح وخان يونس ودير البلح عن أربعة أدوار وتبعثر المنازل بمساحة مترين علي الأقل بين كل منها وتتساوي المساحات تقريبا تبعاً للتنظيم الإسرائيلي خلال فترات الاحتلال وهو ما يعتبره الفائدة الوحيدة من الاحتلال. فيما عادت العديد من المطاعم والمحال التجارية مثل بيتزا وكنتاكي للعمل فيما رصدت الجمهورية افتتاح العديد من محال بيع "الزهور" في مدن القطاع. شوارع مدن القطاع تزدان بصور الشهداء والأسري من كل الفصائل ويتم وضع صورة كبيرة لكل شهيد وهو يمسك بالبندقية بها اسمه وموعد استشهاده والعملية التي استشهد فيها وعدد من قتلهم من الإسرائيليين. فيما تتزين جدران المباني والأسوار بشعارات المقاومة والفصائل.. "نحن إرث القادسية المصحف والبندقية.. حر أنت برغم القيد.. المقاومة غير قابلة للمساومة.. إهدم وأنا ابني.. حماس في صمتها التجهيز وفي صوتها أزير.. غزة لا تنكسر تنتصر أو تنتصر.. كنائب شهداء الأقصي جيش العاصفة.. من هنا مرت فتح.. فتحي الشقاقي لن يموت.. يحيي عياش بطل برغم العدوان. الابتسامة لا تفارق وجوه الفلسطينيين وعبارات الترحيب تملأ أفواههم ووجوههم حينما يعرفون أنك مصري والجميع يقف تحية لك ويجذبك من ملابسك لتقديم القهوة والتمر. أحلامهم الحرية والكرامة وتحرير الاقصي لا يبالون بالضحايا فهم شهداء دائما يقولون "هم يهدمون ونحن نبني" وتمنيات اللقاء في المسجد الأقصي تسمعها من الصغير والكبير في مكان. منذ فترة بدأت السلطات الفلسطينية مشروعاً ثقافياً عبارة عن لوحة من الفسيفساء يكتب عليها "القدس" وتحتها المسافة التي تبتعد القدس عن تلك النقطة فعلي البوابة الرئيسية لبلدية خان يونس توضع إحداها والتي تشير إلي ابتعاد القدس لمساحة 103.49 كيلو وفي مدخل قناة الاقصي الفضائية بغزة تشير إلي ابتعاد القدس بمسافة 79.19 كيلو متر بالضبط. استقبلنا في مدخل كلية فلسطين للتقنية بدير البلح عشرات الاساتذة ومئات الطلاب والطالبات الذين عبروا عن سعادتهم بحضور وفود مصرية وعربية لكسر الحصار حتي لا يشعروا انهم في سجن إنفرادي. قال د. عماد عدوان عميد الكلية إن الشعب الفلسطيني يكن الحب والاحترام لمصر والعلاقة بينهما مبنية علي التواصل والتقارب ودليل ذلك أن العديد من أبناء القطاع لهم أقرباء وعائلات في مصر بالاضافة لآلاف الحاصلين علي الجنسية المصرية. طالب عدوان الشباب المصري بالتركيز علي العمل والدراسة والتعليم الراقي لأن التعليم هو أساس نهضة أي أمة وله الفضل الأول في معالجة القضايا الاقتصادية والسياسية وسد الفجوة بين الشرق والغرب. قمنا بزيارة مستشفي دار الشفا في غزة وهي أكبر مستشفي بالقطاع وتسع 700 سرير وبه 1500 عامل بين طبيب وممرض ومسعف وإداري وكان له دور كبير في علاج الجرحي خلال العدوان الإسرائيلي علي القطاع. قال د. حسين عاشور مدير المستشفي ان صمود القطاع الصحي هو من أعطي الصمود للشعب والمقاومة وخلال الحرب تم تهديدنا باستهدان المستشفي أكثر من مرة بدعوي اخبتاء قادة المقاومة بها لأنها كان المكان الوحيد الآمن في غزة والذي كان يجمع عشرات الطواقم الطبية الاجنبية. أكد أن القطاع الصحي يعاني حصاراً طبياً حيث يعاني من نقص 250 نوعاً من الأدوية الاساسية بالاضافة لانقطاع الكهرباء بسبب نقص الوقود الذي يستخدم لتشغيل محطة كهرباء غزة والذي يؤدي لتعطيل الأجهزة الطبية ويعرقل إجراء العمليات الجراحية مما أدي لوفاة العشرات بينهم الاطفال المبتسرون. قال عاشور إن الأبحاث الطبية أكد أن هناك نسبة تشوه واضحة بسبب قصف القطاع بقنابل اليورانيوم المنضب مشيراً إلي ان 450 شخص فقدوا حياتهم لعدم توافر الإمكانيات الطبية وعدم استطاعتهم العلاج في الخارج وتم إطلاق اسم "شهداء الحصار" عليهم.