كان السفير عبدالرءوف الريدي عضوًا بمكتب وزير الخارجية محمود رياض عندما وقع عدوان ..1967 وقد أتيح له من هذا الموقع أن يكون مطلعًا علي الكواليس. وشاهدًا علي الاتصالات السياسية والاجتماعية والمشاورات والمواقف التي حدثت قبل وبعد وقوع النكسة.. وهو يقدم لنا شهادته عن هذه الأحداث في الفصلين السابع والثامن من كتابه القيم "رحلة العمر". يقول السفير عبدالرءوف الريدي في الفصل السابع تحت عنوان: "الكارثة خطوة بخطوة لاصطياد الديك الرومي 1967".. إن إسرائيل وضعت خطة الإيقاع بعبدالناصر "وهو المقصود بالديك الرومي" منذ اضطرت للانسحاب من سيناء وقطاع غزة في مارس 1957 تحت ضغط الرئيس الأمريكي أيزنهاور الذي أجبرها علي الانسحاب دون شروط.. في هذه الخطة قررت إسرائيل الاستفادة من دروس تجربتها في حرب .1956 كان أول هذه الدروس يتعلق بضعف علاقتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. فبدأت تعمل علي علاج هذا الضعف عن طريق إيجاد قوة ضغط هائلة داخل المجتمع الأمريكي للتأثير علي الكونجرس والإدارة الأمريكية.. من هنا جاء قرار رؤساء المنظمات اليهودية في الولاياتالمتحدة بإنشاء منظمة "الإيباك" التي سرعان ما أصبحت أقوي "لوبي" ذو تأثير هائل علي الكونجرس والإدارة الأمريكية لحشد الدعم لإسرائيل.. إلي جانب ذلك بدأت تعمل علي تخريب العلاقات المصرية الأمريكية. ووضع مصر في خانة العداء مع أمريكا.. ساعد علي ذلك النمو المطرد للعلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتي التي قاربت ما يشبه التحالف. أما الدرس الثاني الذي تعلمته إسرائيل من حرب ..1956 فهو ألا تعمل مرة أخري بشكل سافر مع دول أخري. كما فعلت مع كل من بريطانيا وفرنسا في حرب ..56 لأنه كان من أسباب الإدانة الدولية الجارفة لإسرائيل في هذه الحرب. هو ضلوعها بالمشاركة المكشوفة مع دول أخري استعمارية لها خصومة مع مصر.. أما في حرب 67 فإن المشاركة الأمريكية مع إسرائيل كانت علي سبيل التآمر الذي لم ينكشف الستار عن أبعاده إلا بعد الحرب..! الدرس الثالث هو أن تعمل إسرائيل علي الاستفادة من حالة الانقسام العربي التي كان من أهم أسبابها حرب اليمن. وتبني مصر لشعار محاربة الرجعية العربية التي كانت تقصد بها النظم الملكية.. يضيف السفير الريدي: إن مصر رفضت إعطاء أية ورقة تتضمن موافقتها علي مرور السفن الإسرائيلية في مضيق تيران. لكنها من الناحية الواقعية تركت هذه السفن تمر بالفعل في الخليج وأغمضت عينيها عن مرورها طوال الأعوام العشرة ما بين مارس 1957 ومايو 1967. بينما كان هناك تعهد أمريكي لإسرائيل بمعارضة العودة لإغلاق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية. إلا أن مصر لم تكن طرفًا في هذا التعهد. واتسم الموقف بصفة عامة بالغموض..! ثم ينتقل السفير عبدالرءوف الريدي للحديث عن الجبهة السورية. فيقول إن سوريا كانت تمثل النقطة الملتهبة التي يمكن منها جر المنطقة إلي الحرب. ودفع عبدالناصر لاتخاد القرارات التي تضعه في المصيدة.. فمصر قد عقدت قبيل العدوان بفترة قصيرة. وبتشجيع من الاتحاد السوفيتي. اتفاقا أمنيا مع سوريا. تقدم مصر بمقضتاه الدعم لسوريا إذا تعرضت لأي تهديد بالعدوان عليها.. حيث كان الاتحاد السوفيتي لا يريد التورط في أية مواجهة في الشرق الأوسط حرصًا منه علي سياسة الوفاق مع الولاياتالمتحدة. وكان سبيله إلي ذلك هو تحميل مصر مسئولية سوريا. يضيف: كان الاتحاد السوفيتي هو المصدر الذي أبلغ مصر أن حشودا إسرائيلية تتجمع علي الحدود السورية الإسرائيلية.. تم هذا الإبلاغ خلال لقاءات أجراها نائب الرئيس أنور السادات يوم 13 مايو 1967 مع القيادة السوفيتية في موسكو أثناء عودته من رحلة إلي كوريا الشمالية.. كما تم بين مندوب المخابرات السوفيتية ومدير المخابرات المصرية.. فقررت مصر في اليوم التالي الرد علي هذا الاستفزاز الإسرائيلي بحشد قوات مصرية في سيناء للوقوف إلي جانب سوريا إذا تعرضت للعدوان.. وقد تم إرسال القوات المصرية إلي سيناء وسط مظاهرة إعلامية كبيرة. أما بالنسبة لقوات الطوارئ الدولية فكما جاء في مذكرات سامي شرف تشاور عبدالناصر يوم 15 مايو 1967 مع كل من زكريا محيي الدين. ومحمد صدقي سليمان. وعلي صبري. ومحمود فوزي.. واتفق علي أن يوجه الفريق محمد فوزي رئيس الأركان خطابًا إلي الجنرال ريكي قائد قوات الطوارئ الدولية. بحيث تتم صياغته بشكل يعني طلب سحب القوات الدولية من الحدود الدولية لمصر دون التعرض لطلب السحب الكامل لهذه القوات.