إذا كان العالم كله يعلم ان مصر تعيش حالة خطيرة من الانقسام.. وإذا كان الرئيس مرسي وجماعته يدركون تماما أن المعارضة متمسكة بشعار "لا" للدستور والحوار الوطني وقانون الانتخابات والتعديل الوزاري وكل ما يصدر من "الاتحادية".. إذا كان الأمر كذلك. فماذا تريد المعارضة من "إنذار" 25 يناير وإشاعة حالة من الفزع تطفش المزيد من المستثمرين والسياح ترقباً لأهوال الحشد الغاضب في الذكري الثانية للثورة..؟! إذا كانت رسالة الحشد القادم في كل الميادين. وصلت بكل اللغات. فهل مازلنا في حاجة إلي تجمع جديد يفتح الباب للصدام وتسلل البلطجية وسقوط شهداء جدد من خيرة شبابنا والذين أصبحوا وقوداً للخلافات السياسية وضحايا حالة العناد والتربص وتجاهل فقه الأولويات في بلد اصبح مهدداً بالانهيار الاقتصادي وثورة الجياع دون أن تتراجع كل الاطراف خطوة عن مواقفها المتصلبة بينما يتغنون بأنهم يدافعون عن مصالح الغلابة . المؤكد.. أن من حق كل مصري التظاهر والاحتجاج بشكل سلمي لا يعطل مصالح الآخرين ولا يصيب الوطن في مقتل.. لكن ماذا يكون الحالي حينما تتحول المليونيات إلي هدف وغاية لن تغير الأمر الواقع بل تزيد الفوضي والارتباك. بعد أن راهن الكثيرون طويلا علي خروج صوت عاقل من بين صفوف المعارضة. تفاءلنا بمبادرة عمرو موسي التي يدعو فيها إلي هدنة سياسية يتم خلالها تشكيل حكومة طوارئ برئاسة رئيس الجمهورية. وتتوقف كل الاضرابات ويعود الجميع إلي أعمالهم بهدف انقاذ الاقتصاد الوطني. وقبل ان ترد مؤسسة الرئاسة.. كانت المفاجأة إما الصمت والتجاهل من بقية أحزاب جبهة الإنقاذ. أو رد فعل عنيف من حزب التحالف الشعبي الاشتراكي لأن المبادرة تتعارض مع دعوة الشعب للتظاهر في 25 يناير كما وصفها الحزب بانها انحراف عن شعارات الثورة ومباديء الديمقراطية ! المؤكد أيضا ان حالة العناد ليس من جانب المعارضة فقط.. ومازلنا نتمني أن تستغل مؤسسة الرئاسة أي بادرة تجاوب من جبهة الانقاذ إزاء دعوتها للحوار الوطني. كما حدث مؤخراً من عرض مشروط من الجبهة بالحوار ولكن لم نسمع أي رد ! أيضا جاء مشروع قانون الانتخابات بعيداً عن طموح الأغلبية مع استمرار نفس تقسيم الدوائر الواسعة التي تحتاج إلي إمكانيات ضخمة لا تملكها سوي الأحزاب الكبيرة وكأنها تفصيل علي التيار الإسلامي. وكذلك اشتراط نسبة أكبر من الأصوات وإلا حرمت الاحزاب الصغيرة من دخول البرلمان. وأيضا الاصرار علي نظام القائمة المغلقة وليست النسبية أو المفتوحة كما طلبت بعض اقراب المعارضة . مثل هذه المواقف لا تبرر أن يقاطع ما يسمي ب"تيار الاستقلال" الانتخابات ولا أن يستمر الموقف السلبي لجبهة الانقاذ لأن كل ذلك يخصم من رصيدها ويضعف موقفها في المنافسة الانتخابية. ويبدد حلمنا ببرلمان متوازن تتمثل فيه كل القوي السياسية ..والخوف علي المعارضة من حكم الصندوق تؤكده بعض الأصوات المعتدلة من بين صفوفها ومن بينها مثلا ما قاله د. مصطفي النجار النائب السابق وأحد شباب الثورة الذي كتب في "الشروق": المعارضة المصرية الآن في اختبار شديد.. إما أن تثبت للشعب أنها محل للثقة وإما ستلفظها الجماهير.. والاستمرار في انتقاد النظام الحاكم والسخرية منه دون إعادة تقديم نفسها للشعب كبديل يملك تصورات تفصيلية للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. لن تؤدي إلا لزيادة التعاطف مع هذا النظام. وأضاف: أداء المعارضة يحتاج لتصحيح المسار. فمنذ حل البرلمان السابق والمعارضة تشبه الفريق الذي يقوم بتسجيل الأهداف في نفسه وليس في مرمي خصمه.. إن الشعوب لا تحب الصراخ وتلفظ من يدمنه لأنها تراهم ضعفاء لا يستطيعون قيادتها. وقال الناشط الحقوقي نجاد البرعي في "المصري اليوم": المعارضة خسرت معاركها كلها من استفتاء مارس 2011 مروراً بانتخابات البرلمان السابق إلي استفتاء الدستور.. والسبب المسكوت عنه هو انعدام الرؤية لدي قيادات المعارضة وانتهازيتها حينا. وأكد أن المطلوب حركة تصحيح داخل أحزاب المعارضة حتي لا نعيد انتاج تجربة المعارضة أيام الرئيس المخلوع حيث الجعجعة ولا طحين". أتمني ان يقتنع زعماء المعارضة بما يقوله شهود من أهلها.. وأهم خطوة في تصوري أن يقدموا رؤية لحل مشاكلنا المزمنة. تقنع الناخبين انهم يملكون البديل. وأن يتحرروا من حتمية حشد المظاهرات لإعلان غضبهم. وأن يجربوا مرة أن تكون دعوتهم لمليونية للعمل والانتاج والمشاركة الشعبية في كل المواقع وليس في ميادين الاعتصام ووقف الحال.. ويومها سيقف كثيرون وراء جبهة الانقاذ حين تكون بالفعل لإنقاذ مصر. والتوازن مع القوي الأخري المهيمنة حاليا قبل أي هدف آخر.