"تفرق الأخوة بين نازح ومفقود والأمن والأمان غابا عن شوارع البلاد والمعاناة تعم سوريا" بهذه الكلمات الرومانسية بدأ الرئيس بشار الأسد خطابه الأول منذ سبعة أشهر واقفا علي مسرح "دار الأوبرا" وخلفه علم سوريا وعليه صور أشخاص في إشارة إلي قتلي الأحداث في سوريا علي مدي عامين. هذا المشهد المسرحي بعد حوالي عامين علي اندلاع الثورة في سوريا وسقوط حوالي 60 ألف شهيد وفقا لآخر التقديرات الدولية يشير بوضوح إلي أن الرئيس السوري كسابقيه في مصر وتونس وليبيا يعيشون في كوكب تاني. بل يبدو أن الرئيس السوري هو الأكثر غباء وعمي وبالطبع الأكثر استفزازاً. فعلي الرغم من أنني ممن يتحفظون كثيراً علي المعارضة السورية الخارجية وعلاقاتها الاقليمية والدولية.. وبالرغم من أن مصير سوريا والمنطقة كلها ربما بعد غياب النظام السوري يكتنفه الغموض أو بمعني أدق يكتنفه مستقبل لا يبشر بخير إلا أنني من المؤمنين بأن نظام الأسد "العائلي" كان يجب ان يرحل منذ سنوات. خاصة بعد أن عجز الابن أو أحجم عن اجراء الاصلاحات السياسية والاقتصادية التي كانت ستحميه مما يعيشه الآن وتعيشه سوريا وشعبها معه!!.. إلا أنني ايضا وكلما تابعت خطابا للرئيس السوري وتحديداً علي مدي العامين الماضيين أدرك تماماً أنه يجب ان يرحل غير مأسوف عليه ليس فقط لأن يديه تسيل منها دماء أبناء شعبه سواء من قتل علي يدي قواته أو من قبل المعارضة المسلحة أو القوي المتعددة عربياً ودولياً التي ترتع في ربوع سوريا بلا رقيب أو حسيب. أقول ليس لهذه الأسباب فقط بل لأن بشار الأسد في خطابه السابق وأيضاً خطاب الأحد الماضي تجاهل الواقع الذي تعيشه سوريا وشعبه علي الأرض ليس فقط من خلال صرخته المستهلكة عن الحرب الأهلية وتقسيم سوريا.. وهي حقيقة - إلا أنه يتجاهل تماما أنه شريك أساسي في هذه الجريمة والمستقبل المظلم الذي ينتظر سوريا بكل أسف. فمما لاشك فيه لأي متابع للوضع السوري أن رحيل الأسد ونظامه إذا كان ضرورة يفرضها التاريخ والواقع فإن البديل وحتي الآن ليس بأفضل من ذلك بالرغم من وجود معارضة وطنية شريفة داخل سوريا تحملت علي مدي عقود مقاومة استبداد نظام الأسد الاب والابن كما أنها تتحمل الجزء الأكبر وضريبة الدم الآن إلا أن فرصة هذه المعارضة في تولي السلطة تكاد تكون ضئيلة أو معدومة. ربما لأنها كانت بعيدة عن اللعبة الاقليمية والدولية ولعبة المصالح. إضافة إلي الوضع الطائفي والعرقي لسوريا والذي يلعب حتي الآن دوراً كبيراً في استمرار نظام الأسد لأن البديل لهذه الطوائفل أكثر سوءا وظلاما. إضافة جديدة قديمة لاضفاء مزيد من التعقيد علي المشهد السوري وهو الحديث من داخل إسرائيل سواء علي المستوي السياسي أو النخبة عن تدخل إسرائيلي لتوجيه ضربة للمنشآت الحيوية السورية لتدمير ما يعتقد أنها اماكن تخزين الاسلحة الكيماوية. وحتي لا تقع في أيدي مقاتلي القاعدة أو حزب الله. وذلك بعد ان ظنت إسرائيل منذ بداية الثورة بعيدة عن الصورة تاركة اصدقاءها الغربيين يتعاملون مع الأزمة بالوكالة عنها. ويبقي السؤال بعد الخطاب المسرحي للأسد.. هل مازال النظام فاعلا أساسيا؟! أم أن خيوط اللعبة كلها الآن بيد الآخرين سواء كانوا حلفاء "روسيا - الصين - إيران" أم اعداء "أوروبا - امريكا - إسرائيل- تركيا" والممولين العرب؟! وهل رحيل الأسد ينقذ سوريا فعلا؟ أم ان سوريا والمنطقة كلها بحاجة إلي معجزة من السماء؟!