لي صديق من الفلول. لأفعال الإخوان وتصرفاتهم مشغول ومهبول.. زاد غضبه وحنقه منهم وعليهم بعد الإصرار علي محاصرة الفلول وتنقية جداول الحياة السياسية منهم بالعزل والابعاد. بعد التغييرات الوزارية الأخيرة اتصل بي تليفونيا ليقول لي: لعلك فهمت "الفولة".. الحكاية ليست فلولا ولا يحزنون. انما الإخوان يريدون "تستيف" الليلة وغزلها ونسجها لتصبح الدنيا بالتمام علي مقاسهم وحدهم.. فكل من يعرقلهم أو يعطل مسيرتهم يعطونه الكتف القانوني ويطبقون عليه قانون الإزاحة.. أبسط مثالين هما: تغيير وزير الداخلية ووزير المالية.. وزير الداخلية لأنه تجرأ ولم ينفذ تعليماتهم بقتل المتظاهرين أمام الاتحادية. ولأنه تجرأ أيضا وقبض علي حارس الشاطر.. أما وزير المالية فقد تم تغييره لأنه لم يتحمس لمشروع الصكوك الإسلامية الذي يسعون لتمريره.. باختصار التغيير عندهم هدفه تغيير وتعكير دم من لم يجئ علي "دمهم" وهواهم. كعادة صديقي ينتهز الفرص ويمر من الثغرات التي يتركها الإخوان دائما في تصرفاتهم وقراراتهم. وكعادتي أقطع عليه الطريق في المتاجرة بقضية عزل الفلول علي اعتبار أنهم مظلومون ومجني عليهم. في حماس قال لي: استحلفك أن تقول لي بما يرضي الله: من الذي يستحق العزل والابتعاد.. نحن الفلول أم الإخوان؟ قلت له: علي بياض أنا أري أن عزل الفلول أمر بديهي لأناس راهنوا علي الحزب الوطني ولعبوا عليه وبه وعندما خسر حصانة ووقع في الهاوية لم يسلموا بالأمر الواقع ولا يريدون الاعتراف به. هذا فيما يتعلق بكم. أما فيما يتعلق بالإخوان فأنا شخصيا أري أنهم بما يفعلونه يعزلون أنفسهم بأنفسهم عن الشعب. فمن حقي ومن حق كل مواطن خصوصا بعد الثورة أن نعرف الأسباب الحقيقية لإقالة وزير أو الابقاء علي آخر. ولكن اصرارهم علي الغموض والتصرف علي أساس أنهم وحدهم ولا يرون أحدا غيرهم سيجعلهم يخسرون كل شيء إذا لم يلتفتوا حولهم ويدركوا أننا معهم شركاء في هذا الوطن. يرد صديقي: أرجوك توقف عند تعبير "شركاء" فالمفترض أننا مثلكم شركاء. لكن عزلنا بهذا الشكل يجعل كل واحد منا كما يقول الشاعر القديم: "كأنني إلي الناس مطلي به القار أجرب".. والقار هو ما نطلق عليه هذه الأيام "الزفت" وكان العرب يضعونه فوق فروة وجلد الجمل الأجرب ويعزلونه عن بقية الإبل حتي لا تسري العدوي بينها. قلت: الآن وبعد خراب مالطا تقولون شركاء؟ أين كنتم عندما كان الحزب ورموزه يخربون مصر ويمتصون دماء شرايينها؟ أجاب: أرجوك لا تشارك في ظلمنا وتأخذ الكل بذنب البعض.. نعم هناك فاسدون بالحزب الوطني ولكن علي الوجه الآخر هناك شرفاء.. وحتي الفاسدين لا يجوز أن نحشرهم جميعا في خزانة جهنم وبئس المصير. فهناك من ينتمون إلي فئة الأباطرة والفيلة السمان. وهناك أيضا من يصنفون ضمن القطط الصغيرة التي لم تساعدها أظافرها علي الخربشة. أو من الأسماك الزريعة والبساريا التي لم تمهلها الثورة لكي تصبح "حيتانا" تهبر وتتضخم.. فهل يستوي القط الصغير مع الفيل الكبير.. وهل يستوي "الشبار" مع الحيتان الكبار. فنقول بجرة قلم للجميع "معزولون"؟! قلت: الشيطان يكمن في التفاصيل. ومعني كلامك أننا سوف ندخل في قضية جدلية حول قياس نسبة الفساد في الدم التي نأخذ بها لتصبح معيارا للعزل.. فالثعبان الصغير كان حتما سيصبح كبيرا "ولدعته والقبر" لو كانت الظروف قد ساعدته. وبالتالي فهو مشروع "كوبرا" جار شحنه بالسم واعداده لكي "يلوش" البشر بلا رحمة.. بالتالي رأي المفسرون أن يكون التطبيق علي كل القيادات لأنه من الصعب وضع معيار دقيق لفرز القيادات الفاسدة من غير الفاسدة ان لم يكن الأمر مستحيلا.. وبالتالي فإن تطبيقه علي أعضاء لجنة السياسات وأعضاء الشعب والشوري والوزراء أمر طبيعي ولا أراه ظلما. يقاطعني غاضبا: حتي وان لم يتورط هؤلاء في واقعة فساد واحدة؟ أرد: يا سيدي أبصم لك بالعشرة أن هناك من الشرفاء ما لا يمكن حصرهم. ولكن الصالحين منهم أشبه بمن جلس بجوار نافخ الكير. وبالتالي لن يسلم من أذاه وعليه أن يدفع الثمن مادام قد تحمس.. فإما أن تحرق ثيابه أو يشم رائحة كريهة. والفراشة التي تندفع نحو الضوء يكون من بين الاحتمالات أن يكون مصيرها الحرق. يلاحقني بقوله: لا تنس أن الاشتراك في أحزاب السلطة والسعي لعضويتها عادة وارث عند العائلات.. ولو نظرنا إلي عائلات الصعيد والدلتا سنجد أنها ومنذ قبل ثورة يوليو إما مع الوفد أو هيئة التحرير والاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي وحزب مصر وأخيرا مع الحزب الوطني. أرد: قلت لا تحدثني عن الشرفاء والفراشات حسنة النية والحمائم الطيبة.. ولكن عقوبة العزل جاءت من أجل الصقور التي حددت أهدافها ورصدت صيدها وانقضت من خلال الوطني مثل الرخ بشكل عامودي ومباشر علي الغنائم والمكاسب. وبالتالي فإنها ومع سبق الإصرار والترصد نهبت وهبرت. بل أنهم وقبل أن يملأوا استمارات العضوية رددوا قسم "الهبر" مؤكدين أنهم لن يتركوا شيئا في سماها وترابها ونهرها وبرها وبحرها إلا نهبوه وأنهم سيكونون طوال الوقت مخلصين لأصحاب العزة وأولياء النعمة حراس المعبد و"لآمون" الإله وأيضا سائر الكهنة والمتعبدين في المحراب. مستطردا أقول له: هل تعتقد أن الوقت مناسب للحديث عن الفلول وكأنها قضيتنا الشاغلة؟ يجيب: متفق معك من أجل هذا انطلقت في حديثي من الأكبر وهو التغيير الوزاري إلي الأصغر وهو عزل الفلول سياسيا وقلت لك إن الإخوان في كل الأحوال لا يبغون إلا مصلحتهم. وان الكلام عن عزلنا ليس إلا من أجل افساح الساحة أمامهم في الانتخابات.. قاطعته: وحتي الانتخابات نفسها لا تشغل المواطنين بنفس القدر الذي تشغلكم أنتم والإخوان.. لنا حسبتنا ولكم حساباتكم.. يشغلكم ويشغلهم البقاء في الأضواء والدوائر لحسابات خاصة جدا. ويشغلنا نحن مجرد البقاء في الحياة والمحافظة علي استمرار حركة الشهيق والزفير.. يشغلنا الآن تدبير وتوفير رغيف الخبز في وقت يحدثنا فيه خبراء الاقتصاد أن عوامل التعرية سوف تعري ظهورنا. فقد نادي المنادي أنهم قريبا سوف يرفعون أسعار "المش" علي الغلابة وأن الدنيا ستصبح بالكوبون من أجل تقليم أظافر الزبون.. والحكومة سترفع يدها عن كل شيء.. البنزين بالكوبون.. الكهرباء بالكوبون.. والأرز والخبز والفول والطعمية واكسجين الهواء أيضا بالكوبون.. وكله محسوب فهناك عدادات سوف يتم تركيبها علي أفواهنا وبطوننا تعد علي كل فرد حركاته وسكناته.. لترات البنزين ومترات الكهرباء والماء وعدد ملاعق الكشري ولقيمات الفول والطعمية لمعرفة كم لترا في الصفيحة نحتاجه لكي نأكل ونشرب ونتحرك طبقا لمعدلات الأداء العالمية. تلك العدادات ولأنها دقيقة "وديجيتال" سوف تضبط ميزان المدفوعات وتعيد المهدر والفاقد الذي كان يضيع علي الدولة ويجعلها تمد يدها للدول أو تسترضي صندوق النقد. فقد كنا نأكل غلط ونشرب غلط ونستنشق الهواء أيضا بالغلط وبالتالي فقد آن الأوان للحكومة أن تضع حداً "للسبهللة" التي كنا ندير بها حياتنا دون الالتزام بمنطق كلوا واشربوا وتنفسوا وتحركوا فلا تسرفوا. أطرف رسالة جاءتني في 2013 تقول خلاصتها: من سنتين قال عثمان وزير تخطيط مبارك إن المصري يمكن أن يعيش ب 6 جنيهات.. والنهارده الحكومة في عهد مرسي تحور وتدور وتتحفلط ثم تخرج علينا لتقول إن الابحاث الدقيقة تؤكد أن المصري كفاية عليه 8 جنيهات كل يوم ليأكل ويشرب ويدفع الكهرباء والبنزين وأجرة المواصلات. معني ذلك أن الثورة قامت من أجل 2 جنيه فقط!!