** مع العيد الخامس والتسعين لوعد بلفور تعهد بريطانيا بمنع مساعدة اليهود علي تحقيق حلم الوطن القوي في فلسطين الحبيبة.. وهو بالفعل العامود الأساسي الذي بني عليه اليهود وأصحاب الدعوة الصهيونية جهودهم لتتوج في عام 1948 بإنشاء دولة اسرائيل بقرار من الأممالمتحدة.. ثم ما نعرفه من توسعات متتالية تمثلت في إجبار العرب وإغرائهم الحصول علي أراض فلسطينية.. ساعدت الحروب علي مضاعفة مساحاتها.. واغراء أصحاب القراء بالعمل سرا وجهرا.. لتكون اسرائيل الكبري من النيل إلي الفرات.. نجد ان الأساس الموازي وقرار بلفور الذي لخصه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في عبارة شهيرة لقد أعطي من لا يملك وعدا لمن لا يستحق.. هذا الأساس المتميز بعبقرية الصياغة.. يسانده مشروع القرار 242 لسنة 1967 والذي وضعه لورد كارنتون وزير خارجية بريطانيا بشأن انسحاب اسرائيل من أراض محتلة عام ..1967 وما يقال عن نسيان وسهو لأداة التعريف ال .. مما اغري اسرائيل الحاصلة علي اضعاف مساحاتها من الأرض العربية في عدوانها عام ..1967 توافق علي مشروع القرار وتبرز عند جولات التفاوض.. ان القرار لم يلزمها بكامل الجلاء من الأراضي المحتلة.. ناهيك عن التزامها للضفة الغربيةوغزة غير التابعة لدولة مستقرة في ذلك الوقت.. وبهذا أتاحت بريطانيا لاسرائيل الفرصة مرتين الأولي كي ينقذ وطنها القومي.. بعيدا عن مقترح جنوب افريقيا.. والثاني قرار آخر بحماية التوسع والتمسك بأراض تخدم أغراضها التوسعية ويمكنها بالتالي زراعتها بالعديد من المستوطنات الشرعية وغير الشرعية. ** حدث كل ذلك واندفعت بريطانيا في طريق العدوان مرة بالمشاركة العلنية مع اسرائيل وفرنسا في عدوان 56 ثم المضي قدما في المخطط الأمريكي بالشرق الأوسط ودعم اسرائيل لتكون الدولة اليهودية هي منطلق الغرب للسطو علي أسواق ذات كثافة سكانية عالية والسيطرة عليها من النواحي الاقتصادية.. كما كان لبريطانيا نصيب وافر في تنفيذ حملة الكراهية التي انطلقت ضد المسلمين بعد أحداث سبتمبر 2001 ولا ننسي تحالف بوش بلير لغزو العراق وتزييف الدولة النووية ضد حكومة صدام حسين علي الرغم من هذه النقطة قد تبدو بعيدة عن خطايا مدرسة بلفور التي لم تحاول تصحيح الخطأ التاريخي الذي اقترفته تجاه الشعب الفلسطيني ووضع البذرة الأولي لاقتلاع شعب فلسطين من وطنه وتحويله الي مجموعة من اللاجئين وترفض اسرائيل الاعتراف بحقهم في العودة.. ** وكما قالت منظمة التحرير الفلسطينية في بيانها بالذكري الأليمة التي لم تدفن جراحها ولا دماؤها برحيل بلفور.. بل واختفاء الجيل الذي شهد الفاجعة وعاش سلبياتها.. وعلي الرغم من الشهرة البريطانية بأسلوبها الناعم.. والذي يرضي جميع الأطراف.. فهي لم تقدم حتي الاعتذار عما لحق بالشعب الفلسطيني من ظلم تاريخي.. ولا نعتقد ان موقفها من الطلب الفلسطيني دخول الأممالمتحدة كدولة غير عضو سيزيد من الامتناع عن التصويت رغم ان استجابتها للاتصالات العربية والدولية لدعم هذا المسعي يمكن أن يخفف من آثار الكارثة. ** وعلي اية حال.. فرغم تراجع درجة الاحتجاج العالمي ضد وعد بلفور بل والتراجع في نبرة الاستنكار والإدانة لما ترتكبه من عدوان طال هذه المرة مصنع اليرموك للذخيرة في السودان ويعتبره المراقبون بروفة قادمة لضربة اسرائيلية للمفاعلات النووية الايرانية تحت ستار التفاوض الدولي مع طهران حول التخصيب والانصياع لطلبات المفتشين الدوليين إلا ان رب ضارة نافعة. إذ أشار بيان منظمة التحرير في الذكري الخامسة والتسعين لوعد بلفور إلي أهمية توحيد الصف والانحياز إلي مصالح الشعب الفلسطيني لمواجهة التحديات ومخططات تصفية القضية.. خاصة ان الانفصام بين جناحي فتح وحماس.. اصبحت تداعياته شرسة وخطيرة بل وتؤكد انه لا انتفاضة ثالثة قادمة كما قال الرئيس أبومازن للتليفزيون الاسرائيلي ويري البعض ان زيارات بعض القادة العرب إلي حماس والاستقبالات البروتوكولية لهم.. تصب في تكريس هذا الانفصال.. رغم انها علي السطح تترجم الرفض العربي للحصار الخانق علي غزة ويساعد علي ذلك عرقلة اسرائيل وغطرستها فيما يخص استقبال سفن وقوافل مساعدات السلام. ** وإذا كانت اسرائيل تستعد للفترة الجديدة بعد الخامسة والتسعين من بلفور بإجراء انتخابات مبكرة في 22 يناير القادم فإن الحوار الوطني الشامل والمخلص واستئنافه برعاية مصرية له الأولوية القصوي.. اذا خلصت النوايا لأنه ينهي مرحلة التشتت وتبادل الاتهامات وتوابع المقاومة ويعيد للسلطة الفلسطينية قوتها التي فقدتها بعد الوقوع في فخ اوسلو وافراز قيادات متنافسة من فتح وحماس خصوصا علي آمال معلقة في الهواء.. وعلينا أن ندرك طبيعة المرحلة القادمة من خلال الخطوة الاسرائيلية لتصنيف سياسي واضح المعالم لقوي اليسار واليمين المتطرف.. بجعل الحكم واتخاذ القرار في يد حزبين متحالفين يستثمران الواقع الاسرائيلي ومتغيراته خاصة بعد اعتزال شارون للعمل السياسي وانسحابه الاضطراري من الحياة العامة لصالح نتنياهو البازغ نجمه لولا الخلاف مع الكنيست حول الميزانية والأمور الاقتصادية وهم يستشعرون الخطر إذا ما انتفض الشارع الاسرائيلي هذه المرة مستخدما اسلوب ثورات الربيع العربي استثمار شبكات التواصل الاجتماعي يضاف اليها الاتجاه العملي لمقاطعة منتجات المستوطنات وعدم تسويقها في الخارج "لعدم مشروعية منبع الانتاج" والأفكار الأخري المتجددة بعيدا عن انتفاضة فلسطينية جديدة بالحجارة أو اطلاق صواريخ علي القري القريبة من الأراضي المحتلة.. كل هذه الأمور لو تفاعلت مع الوحدة الفلسطينية ونبذت الخلافات الفرعية علي تقسيم السلطة ستجبر الحكومة الاسرائيلية الجديدة علي فتح التفاوض والإعلان الصريح عن توصيف الدولة الفلسطينية المفتوحة.. وساعتها سينتهي تأثير وعد بلفور ويقتصر علي صفحات التاريخ وتكون أولي ثمار النصر.. الاعتراف المرتقب من الأممالمتحدة بالدولة الفلسطينية المستقلة بوضعية الدولة غير العضو لتصبح مكاتب المنظمة والسلطة سفارات فلسطينية علي قدم المساواة مع التمثيل الدبلوماسي العالمي وتنشط بالتالي لتدفعه للاعتراف بالدولة الفلسطينية.