تحل اليوم ذكري ميلاد ملكة المسرح الفنانة "بديعة مصابني" التي ولدت في 25 فبراير 1892 في مدينة حلب لأسرة ميسورة الحال مكونة من أب لبناني وأم سورية وسبعة أشقاء، أربعة أولاد وثلاث بنات. إلا أن ظروفها العائلية فيما بعد أسهمت في نشأتها وإصرارها على أن تحقق أهدافها في أن تصبح اسماً ذا شأن كبير، وأن تنتقم بتحقيق حلمها ممن احتقروا فقرها. تعرضت بديعة مصابني لعدة مصائب في مقتبل عمرها أسهمت في تغيير مسار حياتها، بدايتها عندما احترق مصنع والدها، وفي ليلة العزاء سرقت مجوهرات والدتها فأصبحت العائلة بذلك دون سند مادي أو معنوي يحميهما من غدر الأيام. لتكتمل المأساة بتعرض بديعة لحادث اغتصاب وهي في سن السابعة على يد صاحب خمارة كان يعمل بها أحد أشقائها وحينها أصرت الأم على مقاضاة الجاني لتتحول الواقعة الى فضيحة كبرى ويعاقب الجاني بحكم غير منصف، مما دفع الأسرة الى ترك سوريا والاتجاه الى أمريكا الجنوبية وهناك التحقت بديعة بمدرسة داخلية تعلمت فيها اللغة الأسبانية وفنون التمثيل بعدما اكُتشفت مواهبها الفنية على مسرح المدرسة. وكانت هناك مأساة أخرى عانت منها بديعة وهي تشرد افراد اسرتها وافتراقهم، ومرضت الأخت الكبرى وماتت ولجأ الاخوة الشباب الي الدير وراح كل منهم في طريقه الخاص وبقيت بديعة مع اختها الثانية نظلة ووالدتها في المنزل. وبعد زواج الاخت الثانية واجهت بديعة أوقاتاً عصيبة مع قسوة أمها، وفكرت بديعة أن الحل الأمثل لهذه المصاعب هو الزواج إلا ان كارثة اغتصابها كانت العائق على تحقيق هذا الهدف. فقررت أن تلجأ الي العمل فعملت في شغل الإبرة وصنعت الملابس لحساب سيدات يبعنها لكن الدخل كان ضعيفاً. وفي عام 1911 عادت بديعة مصابني الى القاهرة وعمرها 19 عاما، وانضمت الي العديد من الفرق وعملت كراقصة مثل فرقة جورج أبيض وفرقة عزيز عيد وفي تلك الفرق صعد نجمها ورآها آنذاك الشيخ أحمد الشامي الذي كان يبحث عن بطلة ليضمها لفرقته، فأسندها الي بديعة مقابل راتب شهري قدره 40 جنيهاً وحينها جمعتها الصدفة بالفنان نجيب الريحاني الذي قرر التعاون معها بعمل مشترك وهي مسرحية "الليالي الملاح" التي نجحت نجاحا باهرا وأسهمت في تعريف بديعة مصابني لتنطلق بعدها بديعة في عالم المسرح وكوّنت ثنائياً ناجحاً مع نجيب الريحاني. وفي عام 1924 طلب كشكش أفندي "نجيب الريحاني" الزواج من بديعة ولكن لم يدم الاستقرار الأسري بينهما طويلاً لاختلاف الطباع ومنهج التفكير فبديعة اقتصادية وسيدة أعمال درجة اولي بينما الريحاني شخصية مسرفة، فيلسوفة، كما ان بديعة تهتم بفنها كثيرا مما أثار غيرة الريحاني المفرطة، بالإضافة الي عدم قدرتهما على الانجاب مما اضطر بديعة الي تبني طفلة يتيمة وأعطاها الريحاني اسمه رسمياً، ومع ازدياد الخلافات اتفق الطرفان علي استمرار الزواج ولكن لكل منهما حياته الخاصة المستقلة. لتنطلق بعدها بديعة بعد الانفصال العاطفي والجسماني في عالم الرقص والتمثيل، وفي فترة الثلاثينيات ابتدعت بديعة رقصة خاصة بها عرفت باسمها "رقصة بديعة" ثم قررت بعدها التوقف عن التمثيل وإنشاء مشروع خاص بها وهو حلم حياتها افتتاح صالة رقص وتمثيل مسرحي خاص بها واطلقت عليها "كازينو بديعة" وصارت راقصة مصر الأولي علي مدار 30 عاماً، وكانت أشبه بمدرسة كبيرة تَخرج منها معظم نجوم الفن حينذاك ومن أبرزهم: اسماعيل يس، تحيه كاريوكا، سامية جمال، فريد الأطرش، ومحمد فوزي، وسامية جمال .. وغيرهم. بلغ عدد أفلامها السينمائية نحو 6 افلام وهي: ابن الشعب 1934، وملكة المسارح 1936، والحل الأخير 1939، وليالي القاهرة 1939، وفتاة متمردة 1940، وأخيراً فيلم أم السعد عام 1946. وعلي المسرح قدمت العديد من الاستعراضات مثل ملكة المسارح، وريا وسكينة، ومراتي في الجهادية. وشاركت في الغناء في مسرحية "الماركيز دي بروبلا". وفي عام 1949 فوجئت بديعة بطلب من مصلحة الضرائب بدفع 84 الف جنيه وهي ضرائب على مكاسبها طوال فترة عملها بمصر، مما اضطرها الي الهروب بممتلكاتها إلى بلدها لبنان. ليختفي بعدها نجم بديعة عن سماء الفن وتعتزل حياة الملاهي والرقص، وافتتحت محلاً للألبان والأجبان في مدينة "شتورة" وظلت تديره نحو 24 عاماً إلى أن وافتها المنية في 23 يوليو عام 1974 عن عمر يناهز ال 82 عاماً.