"في مثل هذا اليوم - منذ أعوام أتمنى أن يصل عددها يوماً إلى رقم لا يمكنني إحصاءه - كنت أمارس الطقوس المكررة ليوم روتيني عادي من أيام حياتي، وبين الحين والآخر أتابع آخر الأخبار وتعليقات الأصدقاء على الفيس بوك عندما وجدت طلب إضافة يظهر أمامي فجأة، وبلا حماس ضغطت على علامة الأصدقاء لأرى من الطالب، وهالني ما رأيت! انتفضت كل ذرة في كياني وأنا أطالع الاسم المميز الذي لا يمكن أبداً أن يمحى من ذاكرتي حتى الممات... إنه اسمك... إنه أنت... لا أدري لماذا لم أتوقع أبداً أن ألقاك يوماً عبر هذا الموقع، ربما لأن فراقنا وقع قبل اختراعه أو لأني لم يخطر ببالي أن تبحث عني يوماً بعد أن رحلت بكامل إرادتك... لكنه حدث! وبأصابع مرتعشة خلت عروقها من الدماء، أرسلت لك رسالة أسألك فيها: إنه أنت... أليس كذلك؟! وفي نفس اللحظة التي ضغطت فيها زر الإرسال وصلتني رسالتك الأولى التي تسألني فيها عن أحوالي وتتمنى أن أكون بخير!! وبقدر ما صببت جام غضبي وسخريتي ومرارتي على رأسك حينها لأسباب كنت أجدني على حق فيها، وبقدر ما كنت أشعر بالمرارة والألم لجرحك لي في الماضي، أجدني بنفس القدر الآن مليئة بالعرفان والامتنان نحوك لأنك احتملت ثورتي وقتها وامتصصتها بمنتهى الصبر والهدوء، وأعدت لي حلمي الوحيد الذي كنت أحيا به لسنوات قبل أن تختطفه مني بمنتهى القسوة واللامبالاة وترحل... أجدني شاكرة وممتلئة بالحب والحنان نحوك لأنك فهمت - حتى ولو متأخراً- أن لا أحد سواك يمكن أن يشفي جراحاً لطالما واجهتُك بأنك أنت من أصابني بها.. وعدت لترسو في مينائي إلى الأبد... وبعد طول الغياب، تحوّل قاتلي إلى منقذي، ونفس اليد التي طعنتني هي من أخرجت السكين من قلبي، وجمعت شظايا ذلك المسكين وداوته بمنتهى الرقة والحنان والرحمة والحب الصادق... فحمداً لله أني لم أستسلم وقتها للكبرياء والعناد، ومنحتك فرصة أخرى لم أندم يوماً عليها. ولدهشتي وجدت قلبي وقد عاد ينبض من جديد بنفس إيقاعه القديم الذي أدمنه، والذي تصورت أنه لن ينبض به مرة أخرى أبداً، ووجدتني وقد بُعثت مرة أخرى للحياة بعد سنوات من الفراق قضيتها كجثة تسير على قدمين.. فشكراً لك يا من أعدت اسمي لقائمة الأحياء برحمة من الله، ولن أتوقف أبداً عن التوجه بدعائي له سبحانه بأن يديم بقاءك في حياتي ويحفظ علينا سعادتنا وحبنا." أنهت "وفاء" رسالتها التي تكتبها لزوجها وحبيبها الوحيد في ذكرى ذلك اليوم الذي عاد إليها فيه معترفاً بحبه لها ونادماً على فراقها- والذي اختاراه معاً بعد مرور عام واحد ليصبح هو نفسه يوم زفافهما- ثم ضغطت زر الإرسال، وابتسمت ابتسامة رائعة وهي تغلق موقع الفيس بوك، وجهاز الكمبيوتر أثناء إلقائها نظرة هائمة على الصورة العائلية الجميلة التي تجمعها بزوجها الغالي وطفليهما الرائعين. ثم لم تلبث أن أفاقت من شرودها، ونهضت على عجل لتتابع بسعادة استعدادات الاحتفال بعيد زواجها الخامس حتى تنتهي من كل شيء قبل عودة زوجها من عمله.