تمر مصر بأزمة كبيرة في استهلاك الكهرباء على مستوى الجمهورية حيث تعاني جميع المحافظات من انقطاع مستمر للكهرباء على فترات متقطعة منذ بداية موسم الصيف وخاصة في شهر رمضان الكريم.... والأغلب يكون الانقطاع في المناطق الأكثر اكتظاظا بالسكان لمدد تتراوح بين الأربع والخمس ساعات إلى ثماني ساعات يوميا، حتى صار الأمر عاديا، والأبرز في صيف 2010, أن تخرج من منزلك والكهرباء منقطعة وتذهب للعمل لتجدها منقطعة وتعود إلى منزلك لتجد الكهرباء ما زالت منقطعة. واسترعى انتباهي ردود المسئولين في مواجهة تلك الأزمة حيث دعا السيد الدكتور محمد عوض رئيس الشركة القابضة للكهرباء في مداخلة هاتفية مع الأستاذ عمرو أديب خلال إحدى حلقات برنامجه "القاهرة اليوم" الشعب المصري للتعاون مع الشركة بترشيد استهلاك الكهرباء لكي تستطيع الشركة تلبية احتياجاته, في الوقت الذي ترى فيه أعمدة النور في الشوارع مضاءة بالنهار ومطفئة بالليل. وكنت أود أن يسمى الأستاذ عمرو حلقته "الكهرباء اليوم" بدلا من "القاهرة اليوم". وحين وجه سؤالا للدكتور محمد عوض "هل ما زال هناك أمل في وجود حل لهذه المشكلة؟" رد بشكل عفوي وبديهي "مشكلة إيه يا فندم؟!" وكأن الدنيا تقوم وتقعد وهو مش هنا بالمرة أو كأنه يسمع بالمشكلة لأول مرة. ويا للعجب إذ نعرف أن المنطقة التي يقطنها السيد الدكتور لا ينقطع فيها التيار الكهربائي ويسرع عمرو بسؤاله أين تقع هذه المنطقة التي لا تنقطع فيها الكهرباء؟! لكي نسرع ونسكن فيها هروبا من مناطق وأحياء كاملة باتت تعيش في ظلام دامس لفترات طويلة من اليوم. ولا حاجة لي هنا بذكر المشاكل المترتبة على انقطاع الكهرباء من فساد الطعام في الثلاجات وعلى رأسها اللحمة التي تعد الشيء الوحيد "الأرخص" وسط جميع صنوف الطعام. ناهيك عن المشاكل التي تعاني منها الشركات والمصانع التي تتعرض لخسائر بالملايين يوميا بسبب انقطاع التيار الكهربائي. واستمر انقطاع الكهرباء عن العديد من محافظات مصر، من بينها القاهرة والجيزة والإسكندرية والقليوبية والدقهلية والمنوفية وبورسعيد والإسماعيلية, وهو ما تسبب في خسائر فادحة، بعد توقف العديد من الأنشطة التجارية، فضلاً عن تعطل العمل بالبنوك ومكاتب البريد، وتعرض حياة آلاف المرضي للخطر، بسبب توقف وحدات الرعاية والحضّانات في بعض المستشفيات. وذكرت صحيفة المصري اليوم أن مواطنين احتشدوا في الفيوم جنوبي القاهرة احتجاجا على انقطاع الكهرباء. وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط إن بعض الأحياء عانت أيضا من انقطاع المياه بعدما أدى انقطاع الكهرباء لتعطل محطات تزويد المياه بها. واتهم السيد الدكتور في حديثه الهاتفي مع عمرو أديب وسائل الإعلام بتهويل المشكلة وفي رده على سبب انقطاع الكهرباء هو الزيادة في استهلاك الكهرباء وخاصة استعمال أجهزة التكييف - التي أكاد أجزم بعدم وجود أجهزة تكييف في الكثير من المناطق السكنية الشعبية - بسبب موجة الحر التي تمر بها مصر للحفاظ على الشبكة "علشان متعملش حاجة كبيرة". ولم يتطرق السيد الدكتور إلى الحلول البديلة التي تخطط لها الدولة لمواجهة مثل تلك الأزمة سوى ترشيد الجماهير استهلاكهم للكهرباء - وإن ربنا يخف عنا الحر دا شوية, أي أن حل المشكلة صار في يد الله أولا ثم في يد الشعب وليس للحكومة أي دخل. وقد قال مسئولو الحكومة إن السبب في الأزمة هي إسرائيل حيث برروا انقطاع التيار الكهربائي نتيجة نقص إمدادات الطاقة في مصر بعد تصدير الغاز الطبيعي إلى تل أبيب. وفي هذه الحالة من الممكن أن نقول "يا سلام بس لو ما كناش بنصدر الغاز لإسرائيل, كان زمان مفيش مشكلة من الأساس", وبعيدا عن أبعاد تصدير مصر غازها لإسرائيل, ألم يكن في مقدور الدولة التخطيط لمثل هذه الأزمات في المستقبل حينما فرطنا في الغاز المملوك للدولة لصالح إسرائيل (بأرخص الأسعار بالمقارنة مع مثيلاتها في العالم) ومن المعروف والبديهي أن من سيتحمل تبعات هذه الأزمة هو الشعب فقط, وطبعا لا يمكن إلقاء اللوم على الحكومة بأي شكل. وقال السيد الدكتور محمد عوض إن هذه المشكلة متكررة في بلاد أخرى, وكأن العادة جرت بأننا عندما نواجه أي أزمة نقول توجد بلاد غيرنا تعاني من هذه الأزمة فلا عيب من وجودها, ألا يمكن أن نسبق هذه الدول ولو مرة في حل أزماتنا ولا نعلق الخطأ بوجود مثله عند الغير. ووصل الأمر أن سخرت الصحف الإسرائيلية منا حينما استنكرت تصريحات المسئولين المصريين بإرجاع السبب وراء الأزمة إلى تصدير جزء كبير من الغاز الطبيعي لهم واستندت في ذلك إلى تأكيد الدكتور محمد عوض على أن انقطاع الكهرباء في مصر يرجع إلى عدم اهتمام وزارة البترول بتوفير محطات كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي. ومن الأخبار السارة أن الأزمة بدأت في التراجع بعد ما استفسر السيد الرئيس محمد حسني مبارك عن أسبابها حيث تراجع انقطاع الكهرباء تدريجيا بعد زيادة كميات المياه خلف السد العالي، وصدور تعليمات سيادته بضرورة العمل والتنسيق بين الوزارات المعنية بالأزمة خاصة وزارتي الري والكهرباء لمواجهة مشكلة الانقطاع المتكررة للكهرباء. وكانت مشادة كلامية نشبت بين المهندس سامح فهمي وزير البترول والدكتور حسن يونس وزير الكهرباء فى محاولة من كل منهما إلقاء مسببات الأزمة على الآخر بعد اجتماع جمع بينهما في حديقة مقر رئاسة الجمهورية لبحث وإيجاد حلول سريعة للأزمة. وفي النهاية أتساءل متى ستكون عندنا إدارة لمواجهة الأزمات حتى نكون جاهزين بحلول جيدة مستخدمين كل ما لدينا من أسباب ووسائل وموارد متاحة، وهل من الضروري أن يعاني الشعب أولا من الحر (أو يموت) لكي نرى ماذا يوجد لدينا من حلول.... عجبي.