كم يبهرنى هذا المارد الصينى .. بتطوره العلمى الذى فاق المستويات .. بحضارته التى تعد من أعتى الحضارات.. بغزوه الأسواق فى شتى المجالات .. بنبوغه فى مختلف الصناعات.. فقد استطاعت الصين أن تنمو بشكل ملحوظ فى الأعوام الأخيرة .. و كان خير دليل على ذلك تفوقها على ألمانيا عام 2009 لتزيحها وتحل محلها كأقوى ثالث أكبر الدول اقتصاديا فى العالم .. وتفاجئنا شبكة السى إن إن الإخبارية منذ أيام معدودة .. بقرب الصين على إزاحة اليابان هذا العام لتصبح ثانى أكبر الدول اقتصاديا بعد الولاياتالمتحدة .. وهذا يعد تطوراً منقطع النظير ففى الوقت الذى تعانى فيه الدول الأوروبية ولا سيما أمريكا من الكساد والبطالة والأزمة المالية التى عصفت بالتجارة والصناعة والمؤسسات المصرفية .. تأتى الصين لتقف على قدمين ثابتتين .. وتستحوذ على الشركات هنا وهناك وكان آخر صفقة قامت بها الصين هى استحواذ شركة جيلى للسيارات على وحدة من وحدات شركة فولفو بمليارات الجنيهات.. وغيرها من الصفقات .. وهكذا تُخرج الصين لسانها إلى الإمبراطورية الأمريكية وغيرها من الدول وتقول لها "نحن هنا". فقد بات الغزو الصينى جليا فى السوق المصرية .. والأمر لا يختلف كثيرا عن الأسواق العالمية والعربية .. فالصين لديها القدرة على معرفة احتياجات كل دولة .. والعمل على توفيره من خلال الخبرة الصناعية التى تمتلكها.. فالمارد الصينى يتغلغل فى طبيعة المجتمع ويعرف كل احتياجاته بل أدق التفاصيل سواء من النواحى الاجتماعية او الثقافية أو الدينية ولك أن تستشف ذلك وتتعجب فى الوقت ذاته من دخول منتجات صينية مرتبطة بعباداتنا وديننا وذلك يبدو واضحا من توافر أجمل سجاجيد للصلاة بألوان وأشكال مختلفة مصنوعة فى الصين .. و(لك أن تختار سجادة ببوصلة او دون ذلك !!)..وكذلك أروع أشكال السبح.. والعباءات وزى المحجبات بمختلف الخامات.. إضافة إلى الجلاليب بأقمشة مختلفة .. وحتى المسجلات الصوتية للقرآن والآذان!!!.. فضلا عن تغلغلها فى طقوسنا وثقافتنا ولك أن تشاهد فوانيس رمضان المصنوعة فى الصين فى كل مكان بالأسواق المصرية.. وكذلك استطاعت هذه الدولة العظمى معرفة أذواقنا وما يناسب بناتنا فى فساتين الزفاف وكذلك ملابس العرسان. كما استطاعت الصين دخول بيوتنا من أبوابها.. فترى البائعات الصينيات يطرقن الأبواب فى أوقات متأخرة من الليل لبيع بعض منتجاتهن ..وأحيانا نرفض دخولهن ولكنهن لا يمللن من طبيعة هذا العمل فى مصر أو مختلف بلدان العالم .. ربما لديهن ثقة فى قوة بلادهن التى ستصبح اقوى البلاد فى المستقبل القريب. وحتى فى النواحى الثقافية و الإعلامية .. استطاعت الصين أن تتوغل فيه وتدركه جيدا وتخلق عن طريقه صناعة ناجحة وأسمى دليل على ذلك ما كان فى رمضان الماضى عندما فوجئنا بالاسواق المصرية وهى حافلة بلعبة المفتش كرومبو الذى هو فكرة مصرية مائة فى المائة وحققت تلك اللعبة اعلى المبيعات.. ولا سيما دمية للكابتن أبو تريكة وبالطبع هذا يأتى من منطلق وعى كبير لدى الصين باللاعب الكروى المحبوب وكذلك أحب ما نشاهده فى التليفزيون حتى لو كانت فوازير المفتش كرومبو.... ويبدو أن غزو الصين الاجتماعى قادم أيضا. وقد أيقنت ذلك بعدما مررت بجولة سريعة عبر موقع الفيس بوك حتى اكتشفت جروب جديدا اطلقه بعض الشباب يناشد المقبلين على الزواج بالارتباط بالمرأة الصينية لأنها اقتصادية موفرة ومطيعة وانضم اليه آلاف الأعضاء !!! اما عن تغلغلها الاقتصادى .. فالمس ذلك عند التوجه إلى اى من المراكز التجارية وأجد منتجا من الملابس الصينية سواء البدل أو القمصان او الأحذية وإلى جواره المنتج المصرى والفارق جنيهات معدودة .. أقوم بالطبع بشراء الصينى مثل الكثير من الناس ..لأنها فى أحيان كثيرة تكون ذات جودة عالية.. والردىء يكون هو الاستثناء .. واكتشفت مؤخرا وبعد أعوام أن معظم ما أمتلكه من ملابس واجهزة الكترونية صنع فى الصين.. جهاز الكمبيوتر.. الفلاش المستخدمة به.. حذائى الجديد.. ملابس نومى .. ملابسى الرسمية.. وليس بعيدا أن أصبح عضوا فى الجروب الذى ينادى بالزواج من الصينيات..وتصبح زوجتى أيضا "MADE IN CHINA"!! ونمو الصين بهذا الشكل يوقد لديّ مشاعر متداخلة ممتزجة ما بين الانبهار والحسرة والخوف.. الانبهار بهذه الإمبراطورية القادمة وترقبى ليوم تخرج فيه الصين لتصبح قوة جديدة تنقذنا من غطرسة الولاياتالمتحدة وهيمنتها وازدواجية المعايير التى تتبناها واشعالها الحرب فى كل مكان. أما الحسرة فكانت نتاج ما آلت إليه بلادنا من فشل ذريع جعلنا عاجزين عن صنع فانوس رمضان الذى ابتدعناه منذ العهد الفاطمى.. أو حتى سجادة الصلاة بنفس الجودة الصينية. وراودنى الخوف من أن تصبح الصين - هذه الدولة التى تعمل فى صمت دائم "ومالهاش صوت" - دولة استعمارية جديدة ونرى مئات المعتقلات شبيهة بجوانتانامو.. ويصبح لدينا أكثر من عراق واحد وسط نيران الحروب.. وأكثر من افغانستان ولا يقتصر الغزو على الأسواق بل يمتد إلى الأوطان.