أنا زوجة وأم لطفل، عمره سنة وشهر تقريباً، المشكلة إني اتجوزت واحد سييء الخلق، هو وأهله، وأخد ابني مني، مش عشان بيحبه لا سمح الله، ولكن عشان يجبرنى أرجع أعيش معاه، أو اضطر أتنازل عن كل حقوقى الشرعية، فى مقابل انى أتطلق منه! والمشكلة التانية إنه كدّاب ومنافق، وعمره ما بيستمر فى شغلانة أكتر من كام شهر، وأنا اللي بشتغل وبصرف على نفسى وعلى ابنى، وكمان مش عاجبه! أنا بجد خلاص قربت أتجنن، بعد ما حاولت بكل السبل الممكنة، أرجّع ابنى، وكمان جبت حكم من محكمة الأسرة، بحضانته، لكن المصيبة إنى مش عارفة أنفذ الحكم ده!! والحكومة بتقول لى حاولى تعرفى جوزك فين، وإحنا نروح نجيبهولك!! معنى كده إنه لو فضل مستخبى العمر كله، مش هشوف ابنى تانى؟! أكتر حاجة رعباني، إني عارفة ومتأكدة إن جوزى ممكن فى الآخر، لما يزهق، ويلاقي ضغطه عليا بالولد مش جايب نتيجة، يتخلّص منه، فيبيعه ولا يسمّه ولا حتى يسيبه فى أى شارع ويمشى! أنا بجد قربت أتجنن، ونفسي حد يحس بيا، ويقول لي أعمل إيه! ولكاتبة هذه الرسالة أقول: لا شك أنك في موقف صعب يا صديقتي، بمقاييس البشر، وحساباتنا القاصرة التي لا تنظر لأبعد مما تحت أقدامنا، أما حسابات المولى سبحانه وتعالى، فلا أحد يعلم عنها شيئا، ولا أحد يمكنه توقّعها. والله جل شأنه لا يرضى عن الظلم، ولا يهمل شِكاية المظلوم، ودائما ما يُحق الحق، مهما تصورنا أن الصحف قد جفّت، والأقلام قد رُفعت، ولم يعد هناك من سبيل، خاصة ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب. والله الذي استجاب لإبليس اللعين، حين طلب إمهاله ليوم القيامة، لن يستجيب لعبد مؤمن، يدعو من قلبه، بدموع عينيه، مطالبا بحقه؟! بل إنه جل شأنه سوف يستجيب، وبين طَرفة عين وانتباهتها، يُغيِّر الله من حال إلى حال، ويعيد رسم حياتك بصورة لم تتخيليها أو تتوقعيها، بشرط ألا تفقدي الأمل لحظة واحدة، وألا يضحك عليك الشيطان، فيُخيّل إليكِ أن كل السبل قد أغلقت ، ولم يعد هناك داع للاستمرار في التحرك للأمام، فأحسني الظن بالله، فهو عند حسن ظن عبده به، كما يقول في حديثه القدسي، وتحمّلي المحنة، لتخرجي منها أكثر قوة. وفي هذه الأثناء، لا تقطعي باب التفاوض، وابحثي عمن يُمكنه أن يؤثر على زوجك، ويقنعه بتنفيذ أمر المحكمة، ربما يكون أحد كبراء عائلته، أو أحد أئمة المساجد، أو أي إنسان تعتقدين أنه قد يعيد إليه عقله. وإذا كانت إعادته للولد، مرهونة بتنازلك عن حقوقك الشرعية، ولم يعد أمامك من سبيل آخر، فلتتنازلي له عنها يا صديقتي -بشرط ضمان عودة الولد- ولتحتسبي ذلك عند الله، وأنت على يقين أنه سبحانه وتعالى، لابد سوف يعوضك عن كل شيء. فلا شيء أغلى من ابنك، ولو كانت هذه التضحية فقط هي المطلوبة، ليلتئم شملكما، فما أقلها، وما أهونها! ولعل هذه القصة وأمثالها، تعطينا درسا قيما في أهمية اختيار الزوج، وعدم الرضاء بأول من يطرق الباب، هربا من لفظ "عانس"، أو رغبة في تحقيق الاستقلال عن الأسرة! فالزواج ليس فستان الفرح والشبكة والزغاريد فحسب، ليس تهنئة الزميلات، ودعوات الفرح، وليلة الحنّة، وشهر العسل، وإنما هو حياة كاملة، بأفراحها وأحزانها، بحلوها ومرّها، إن اختل أساسُها، لم تتحمل، ولم تصمد، وانهارت لدى أول أزمة، وما كثرة حالات الطلاق التي تقع اليوم، بلا سبب جوهري، إلا لأن الزواج نفسه، تم بلا سبب جوهري هو الآخر! والرسول عليه الصلاة والسلام، أوصانا أن نختار من نرضى عن دينه وخلقه، والدين يعني الالتزام بتعاليمه من صلاة وصوم وزكاة، أما الأخلاق فأمر آخر، حيث تتضمن منظومة القيم بأكملها، وطريقة تفعيلها في التعامل مع الآخرين، وصولا إلى تطبيق العقيدة فعليا وعمليًا، وليس لفظا فحسب. فاصبري يا صديقتي، ولا تُهملي استخدام السلاح القاهر الفعاّل، الذي أغفلنا جميعا استخدامه، وعطلنا أهميته في حياتنا، على الرغم من خطورته، وقدرته، وهو سلاح "الدعاء". فالله سبحانه وتعالى يقول: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (غافر-60)، وقال جل وعلا: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ" (البقرة- 186)، وقد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من عبد يدعو الله بدعوة، ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تُعجّل له دعوته في الدنيا، وإما أن تُدّخر له في الآخرة، وإما أن يُصرف عنه من الشر مثل ذلك). فأكثري من الصلاة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، ورَفع يديك بالدعاء، وكلك ثقة ويقين في عدل المولى سبحانه، وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا، وأن موعد التئام شملك على ابنك، ورفع هذا الابتلاء عنك، أصبح أقرب إليك من حبل الوريد. حسام مصطفى إبراهيم