قد يكون الفيديو الذى أعلن فيه "د. برهامى" اتفاقه مع "العسكر" ضد "الرئيس" حاسما فى وصف "د. برهامى" بالتآمر، وأن كل تبريراته العقلية والشرعية والعاطفية لموقفه كانت محض مغالطات، وكان وصفه للمادة 219 بأنها ليست نصا مقدسا، ثم شُكْر ممثلِهِ للجنة الخمسين لأنها حافظت على الشريعة الإسلامية! يظهر تناقضا شرعيا وأخلاقيا فى تناول المواقف. ولكن الأهم -فى تقديرى- هو أن نفهم عقل المدرسة البرهامية، لأنها بالفعل مدرسة ممتدة ولها أشياع وحواريون. فقد كنا -كمجموعة إخوانية- خارجين لتونا من المعتقل فى منتصف العقد الماضى، فرحَّلونا قسم الترحيلات بالإسكندرية، وهناك أدخلونا بنفس الغرفة التى كان يحتجز فيها إخواننا السلفيون فى المرة الوحيدة التى اعتُقِلوا فيها، ونظرت حولى فإذا مشايخ السلفية د. برهامى، ود. سعيد عبد العظيم (مستلقيا على ظهره من أثر عملية جراحية) وم. محمود عبد الحميد ومجموعة من الشباب السلفى جميل الوجه. وكعادتنا فى المعتقلات نذهب مباشرة لمخاطبة الأفكار المتعددة التى تقابلنا، وعادة تكون العقول منفتحة لبعضها مهما كانت طبيعة أفكارها ابتداء من الإلحاد وحتى التكفير مرورا بما هو علمانى أو إسلامى. جرى حوار بينى وبين د. برهامى أذكر لك ملخصه ثم أُتبعُهُ تحليلى للمنهج البرهامى: محمد: د. ياسر مرحبا أنا أخوك محمد كمال من الإخوان وخرجنا لتونا من المعتقل. (وبعد ترحيبات ومجاملات وتمنيات طيبة) محمد: أخى أصارحك بأن اعتقالكم مفاجئ للجميع، حيث استقر اليقين على عدم استخدام هذا النهج معكم، والأعجب هو اعتقال هذه الرموز فلماذا برأيك اعتقلوكم؟ د. ياسر: أنت تعلم أن الأمريكان ما زالوا يشنون الحرب على أسامة بن لادن، و(خوفنا يا أخ محمد أن يلصقونا بالقاعدة) باعتبار انتمائنا للفكر الوهابى الذى ينتمى له بن لادن! محمد: معقول إلى هذا الحد تخوفكم؟ هل لهذا التخوف دلائل تبرره؟ د. ياسر: أنا أُستدعى كل ليلة للتحقيق فى أمن الدولة، والكلام معتاد لكن هذه الهجمة أكيد لها خلفية أكبر لأننا (لم نفعل ما يغضبهم) وعلاقتنا بهم مختلفة عنكم كما تعلم، لذا فالخوف كله من تعليمات أمريكية، وهنا سيأتمرون بأمر أمريكا (والخوف أن نكون نحن الضحية). محمد: هذا أمر مستبعد، لأن مخابرات البلدين فى تداخل كامل وتصنيفكم هنا سيكون نفس التصنيف الأمريكى، قد تكون مجرد ضغوط أمنية مصرية عليكم لاسترضاء الأمريكان فقط، ولكن إلحاقكم بالقاعدة فهذا مستبعد بتصورى. د. ياسر: نسأل الله ذلك، وإن كانت هناك تلميحات بذلك، والتأكيد على ألا نكون مثل الإخوان تنظيميا، لكن (المصيبة فعلا) لو كانوا سيتعاملون معنا مثل تعاملهم مع (الإخوان)!. (يا أخ محمد نحن غير مستعدين أبدا للمعتقلات والإيذاء بأى شكل، وهؤلاء الشباب (أشار للشباب السلفى بالغرفة) لم يتربوا على الابتلاء كما تُربون شبابكم، شبابكم، وقياداتكم مستعدة لهذه المواجهات أما نحن فغير مستعدين بالمرة، وإذا حدث هذا فلاأدرى ماذا سيكون مصير الدعوة). محمد: أصحاب الرسالات يحفظهم الله.. ثم استطردت: أخى العزيز: من هو مسئول الدعوة السلفية، حيث نسمع كلاما كثيرا فى هذا الإطار؟. د. ياسر: (ينظر عن يمينه للدكتور سعيد عبد العظيم)، ويقول: هذا الرجل هو مسئول الدعوة السلفية. محمد: والدكتور محمد إسماعيل المقدم؟ د. ياسر: هل تعرف الشيخ"وجدى غنيم" عندكم ما دوره؟ محمد: نعم.. داعية وليس له فى العمل التنظيمى. د. ياسر:هذا بالضبط دور الشيخ "محمد إسماعيل" عندنا، وليس لهذه الدعوة مسئول إلا الشيخ "سعيد عبد العظيم". ثم بادرنى وقال: د. ياسر: يا أخ محمد نحن نريد قطع أى شبهة علاقة بيننا وبين "الإخوان"، ونحن نُحاسَب حسابا مريرا على أى تقارب معكم، هل تذكر حضورنا فرح ابنة ”د. إبراهيم الزعفرانى"؟ محمد: نعم وكان هذا أمرا مقدرا من "الإخوان". د. ياسر: نحن ندفع ثمن هذا الفعل إلى الآن.. وأى تقارب، أو أى تصريح يشمُّون منه رائحة التقارب يكون الحساب عليه عسيرا ثم فاجأنى بالآتى: د. ياسر: يا أخ محمد نحن مضطرون لتشويهكم طيلة الوقت لإثبات سلامة موقفنا، وأرجو أن تبلغ قيادات الإخوان بأن يذكرونا بسوء فى كل منتدياتهم، (فنحن بهذا سنكون آمنين)، وسيتأكد النظام أننا لا ننسق معكم ولا تنظيم لنا مثلكم. ا.ه على التوازى كان شباب الإخوان يخرجون الملابس البيضاء الجديدة التى ما زالت معهم ويعطونها لإخوانهم السلفيين، وجرت حوارات تهوِّن من شأن الاعتقال، وكانت لحظة حب جارفة بين الشباب من الجماعتين. الخلاصة: أولا: أن مدرسة الدكتور برهامى هى نهج علمى منقوص، فهى مدرسة الاهتمام (بالنصوص) دون الدراية بأساليب (الاجتهاد)، وهى مدرسة تتعامل مع "الكتب" فى كل نازلة، وفى الكتب متسع لأى موقف تريد إثبات صحته، وليس لديها فريق للبحث العلمى لإنزال الوقائع منازلها، ولا تتمتع بمناهج للتربية والتكوين. ثانيا: حفظ الضرورات الخمس فى فهم المدرسة هو "الدوران مع السلامة أيا كانت"، وتجنيب أعضائها أى ابتلاء، وكل الاجتهادات التى تُجنب المواجهة مع الظالمين حاضرة وتشكل الأساس الفقهى الذى تقوم عليه المدرسة، وهذا جوهر يتم التخديم عليه بالفتاوى والتصريحات السياسية العديدة، وماقد يراه البعض خيانة يرونه هم علما موثقا بأقوال السلف. ثالثا: الإحساس بأحقية قيادة الحركة الإسلامية: فهم -رغم ما مضى- يرون أن الحركة الإسلامية عموما ينقصها العلم والعلماء، وهو ما يتوافر لدى المدرسة البرهامية، والعلم هو حفظ المتون، لذا فهم يستخفُّون تماما بعلماء الفصائل الإسلامية الأخرى، فى وقت لم يخرج منهم (مجتهد) حقيقى تجتمع عليه الأمة مثل "د. القرضاوى"، وموقفهم منه معلوم تشويها وتسفيها، أما موقفهم الاستعلائى من علماء الأزهر فهو مشهور جدا، وبالطبع فالجميع يعلم التخريب الذى حدث بالأزهر كمؤسسة، ولكننا نتحدث عنه كمستودع للعلوم ووارث لها، وهذا ماينكره إخواننا، والفكرة قائمة رغم تغير الخطاب. أما ما يراه البعض من كراهية خاصة تجاه "الإخوان" فله أيضا ما يبرره، حيث يعتبرون"الإخوان" جماعة "بدعية"، رغم اتساعها، وقديما سألوا الشيخ "ابن باز" -رحمه الله-: (إن الجماعة التى يتبعها السواد الأعظم لديها تجاوزات فقهية وبدع شرعية، فقال لهم: اتبعوهم وانصحوهم) ولم ينتصحوا بكلام الشيخ، ولكن رأوا فى "الإخوان" ما يهدد(دعوة الحق) التى هى السلفية طبعا، وأصبح إزاحتها يمثل جهادا شرعيا! إنهم ما زالوا يرون أنفسهم الأكثرية فى الشارع، ويرون أن كل ما يفعلونه، حتى ولو كان تآمرا فهو فى سياق منهجى، يفصحون عن بعضه، والبعض الآخر يتداولونه داخليا لأنه أعلى من أذهان العامة!، وهذا البعض الآخر هويقين يتبادلونه كلما اجتمعوا سرا، ويتباذخون بالنصوص ليؤكد كل واحد للثانى صحة المنهج، ولا مانع من أن يتذاكروا الابتلاءات التى تواجه أصحاب الحق،باعتبار أن ما يلقونه (هم!) من "الإخوان" الآن هو الابتلاء بعينه!!. هذا ملخص لا يتسع المقال لأكثر منه، ولكنه "مفتاح شخصية" المدرسة البرهامية، الذى أفلت منه مشايخ السلفية فى أغلب محافظات القطر المصرى حين برزت مدرسة (د. محمد عبد المقصود) وضخت الدماء النضالية فى السلفية ووجهتهم لطريق التضحية، وهذا ما نراه من د. سعيد عبد العظيم، كما انتصر للحق الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق فى مقاله الذى أسقط عن"د. برهامى" كل فضيلة وحمَّله الدماء. لا تسل عن أفراد مثل الشيخ "حسان" و"الحوينى" و"يعقوب" وأمثالهم، فهؤلاء المشايخ لم يكونوا أكثر من دعاة مثل "عمرو خالد" و"مصطفى حسنى"، ولكن بالشكل السلفى، والملمات الكبرى تذهب بكياسة هؤلاء الدعاة ولا يستطيعون تدبر مواقفهم، ويقعون فى حيرة العامة، وأحيانا يرهبهم ما يرهب العامة فهم دعاة طيبون وليسوا أصحاب مدارس نضالية ولا مناهج إصلاحية، لكن ارتباط مريديهم بهم يضعهم فى دائرة الضوء والمساءلة، وهذه الشريحة لا تستطيع التأثير والعطاء إلا فى الأجواء الهادئة تماما. فقضية (الحق والباطل) وصخبها، تختلف عن قضية (نشر العلم والفضيلة) وهدوئها، ولا تحاسبوهم على سفاهات مثل (أحزاب أم أحد) أو "إمارة المتغلب" فقد أفحمهم الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق والشيخ شاكر الشريف. ونحمد الله على ظهور الحق يوما بعد يوم. لا تحزنوا منهم.. بل عليهم. مكملين. لا رجوع.