تقرير برنامج الغذاء العالمى: فى عهد الانقلاب: جلب الانقلاب العسكرى الدموى، الخراب لمصر فى كل المجالات سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وعلى كافة المستويات داخليا وخارجيا، ووضع البلاد فى عزلة سياسية واقتصادية كبيرة لم تشهدها من قبل، وهو ما أدى إلى انهيار اقتصادى كبير، ضاعف من معاناة البسطاء إلى الحد الذى أفقد الكثيرين منهم مجرد القدرة على توفير متطلباتهم الأساسية فى هذه الحياة. هذا ما يكشف عنه أحدث تقارير برنامج الأغذية العالمى والذى صدر مؤخرا ليؤكد أن 17% من الشعب المصرى لم يعودو قادرين على تأمين “لقمة العيش”، أو أن 13.7 مليون مصرى لم تعد لديهم القدرة على توفير الحاجات الأساسية من الطعام والشراب بسبب الارتفاع الجنونى للأسعار بعد الانقلاب العسكرى، والتى أسهمت فى اتساع رقعة الفقر لتصل إلى 30%. لم تقتصر معاناة المصريين بعد الانقلاب الدموى عند حدود أزمة الارتفاع الجنونى للأسعار، والذى طال جميع السلع الأساسية, حيث بلغ معدل الزيادة فى أسعار الخضر والفاكهة ما بين 60 إلى 100% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضى فى عهد الدكتور محمد مرسى الرئيس الشرعى, كما بلغت نسبة الزيادة فى أسعار الملابس خاصة الشتوية هذا العام 40%. وشهد العديد من الخدمات انتكاسة حقيقية بعد الانقلاب العسكرى, بعدما لاقت تحسنا كبيرا فى عهد الدكتور مرسى، ولعل رغيف العيش كان أبرز هذه الخدمات التى شهدت تحسنا كبيرا من ناحية الجودة فى عهد الدكتور باسم عودة وزير التموين فى حكومة د.هشام قنديل، والذى خطى خطوات جادة فى تطبيق سياسية تحرير سعر الدقيق, وكان من المقرر أن يوفر مليارات الجنيهات لخزينة الدولة والتى كانت تضيع فى السوق السوداء. وعادت مشاكل رغيف الخبز لتتفاقم من جديد, وتزيد من معها معاناة البسطاء بسبب عدم استطاعتهم الحصول على رغيف الخبر بعد انتعاش السوق السوداء من جديد فى ظل الانقلاب العسكرى وعودة سماسرة بيع الدقيق المدعم بأسعار باهظة والتربح منها وترك الغلابة يعيشون مأساة البحث عن رغيف الخبز. وكانت حكومة قنديل قد خطت خطوات جادة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح, ولكن جاء الانقلاب العسكرى الدموى ليعود المنظومة الفاسدة إلى أسوء عصورها، حيث كانت أول قرارات حكومة الانقلاب استيراد أسوأ أنواع القمح وهو القمح الأوكرانى باستيراد نحو 780 ألف طن قمح فى ال40 يوما الأولى للانقلاب بقيمة 206 ملايين دولار. السلع التموينية أما فيما يتعلق بالسلع التموينية فإن وزارة تموين الانقلاب أعلنت فشلها منذ الشهر الأول للانقلاب على الشرعية، وذلك بإعلان عدم قدرتها على توفير السلع التموينية نتيجة الانهيار الاقتصادى الذى وقعت البلاد فيه. واعترف رئيس حكومة الانقلاب حازم الببلاوى فى أغسطس الماضى بعجز الحكومة عن توفير موارد الطاقة وتوفير السلع التموينية حتى عام قادم, مشيرا إلى أن توفير هذه السلع مرهون باستقرار الوضع السياسى والاقتصادى للدولة. ومن جانبها، أعلنت الغرفة التجارية بالقاهرة عن وجود عجز بالمقررات التموينية التى تصرف للمواطنين ببطاقة التموين قد تجاوز 35% بعد الانقلاب العسكرى. وفى هذا الإطار، اتخذت وزارة تموين الانقلاب عدة قرارات انتقامية من المواطن البسيط كمحاولة لسد العجز عن توفير السلع التموينية والتى كان منها إيقاف صرف السلع التموينية لحاملى البطاقات الورقية الذين لم يصدر لهم بعد بطاقات ذكية, دون أن يتم تحديد وقت لاستئناف صرف السلع مرة أخرى أو الإجراءات المطلوبة لتفادى هذا الإيقاف, كما قامت أيضا بإلغاء القرار الوزارى رقم 369 لسنة 2013 والذى اتخذه الدكتور باسم عودة -وزير التموين الشرعى- والخاص بضم المواليد من أعوام 2006 إلى عام 2011 إلى البطاقات التموينية الجديدة وكانت بالفعل قد بدأت الوزارة فى العمل به فى يونيو الماضى ولكن جاء الانقلاب فقام بإلغائه. أنبوبة البوتاجاز لم تكن معاناة المواطن البسيط فى الحصول على أنبوبة البوتاجار بأقل من غيرها من الخدمات, حيث يعانى المواطن فى جميع أنحاء الجمهورية ويعيش مأساة حقيقة فى سبيل الحصول على أنبوبة الغاز والتى تجاوز سعرها فى بعض المحافظات 40 جنيها، بعدما عادت وبشدة ظاهرة بلطجية السوق السوداء التى تقوم بإغلاق مستودعات الأنابيب وإجبار المواطن على شراء الأنبوبة بأسعار السوق السوداء فى ظل صمت حكومى تام من قبل وزارة تموين وداخلية الانقلاب. قرارات انقلابية ضد المواطن واستمرارا لمعاناة المواطن فى ظل الانقلاب الدموى اتخذت حكومة الانقلاب العديد من القرارات الفاشلة التى زادت من معاناة البسطاء كان منها قرار حظر التجوال الذى أضر بقطاع كبير من عمال الورديات المسائية من السائقين وغيرهم من أصحاب المحال التجارية. أما قرار وقف السكك الحديدية لمدة شهرين وغلق محطة مترو السادات -والتى لا تزال مغلقة حتى الآن- بجانب ما كبده للدولة من خسائر فادحة بلغت فى قطاع السكك الحديدية ما يزيد عن 190 مليون جنيه بحسب التصريحات الصحفية لرئيس هيئة سكك حديد مصر، فإن معاناة المواطنين البسطاء جرّاء ذلك كانت أكثر قسوة حيث أصبحوا فريسة سهلة لاستغلال أصحاب الميكروباصات فضلاٍ عن المعاناة اليومية جرّاء الزحام والتكدس المرورى. أما التسعيرة الاسترشادية فهى أحد القرارات التى اتخذتها حكومة الانقلاب مؤخراً وكان من أبرز نتائجها فتح الباب على مصراعيه لتجار السوق السوداء الذين تخصصوا فى مص دماء البسطاء, حيث إنها أسهمت بشكل مباشر فى زيادة الأسعار وأصبحت التسعيرة الاسترشادية مجرد باب خلفى للتلاعب بالأسعار فى ظل غياب تام للرقابة من قبل حكومة. حكومة انقلابية فاشلة فى هذا الإطار، أكد الدكتور صلاح جودة -الخبير الاقتصادى- أن حكومة الببلاوى الانقلابية فشلت فشلا كبيرا فى تلبية الحد الأدنى من متطلبات المواطن البسيط بل أوقعته فى مشكلات كبيرة أثرت على أكثر من 50% من أبناء الشعب المصرى. وأشار جودة إلى أن من أهم وأبرز هذه المشكلات تضخم الأسعار وارتفاعها, والذى تجاوز فى بعض السلع 200% دون مبرر مقبول لذلك، لافتا إلى أن هذه الحكومة على الرغم من أنها حظيت بمميزات لم تحظ بها أى حكومة سابقة من حيث دعم الجيش وجميع مؤسسات الدولة العميقة فضلا عن المليارات التى تدفقت لها من الدول الداعمة للانقلاب, إلا أنها لم تحقق أى نجاح على أرض الواقع فى الملف الاقتصادى والسياسى على حد سواء, مؤكدا أن الاستمرار فى تجاهل متطلبات المواطن البسيط من قبل الحكومة ينذر بخطر حقيقى على المجتمع. وأضاف جودة أن الحكومة انشغلت بالشأن السياسى على حساب المواطن البسيط على الرغم من أنها لم تفلح فى حل المشاكل الجانبين على حد سواء، لافتا إلى أن 75% من مطالب الشعب المصرى منذ قيام ثورة يناير هى مطالب اقتصادية فى المقام الأول، وكان ينبغى على الحكومة أن توليها أكبر اهتمام بدلا من أن تزيد أعباء المواطنين بهذ الشكل. ضحايا الفشل ومن جانبها، تقول الدكتورة سوسن فايد -الخبير الاجتماعى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية- إن فقراء مصر هم دائما ضحايا فشل الحكومات؛ حيث إنهم يدفعون ضريبة هذا الفشل من أقواتهم ومن أرزاقهم التى قد تقطع بسبب سياسيات فاشلة غير مدروسة, مؤكدة أن واقع الفقراء فى مصر شديد القسوة, فكثير منهم لا يعبأ بما تشهده الساحة السياسية من صراعات ولكن ما يهمهم فى المقام الأول توفير لقمة العيش لهم ولأبنائهم. وأشارت فايد إلى أن غلاء الأسعار يفقد الكثير من الفقراء مجرد القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية من مأكل وملبس ومشرب، وهو ما تكون له تبعات سيئة وخطيرة على المجتمع, من ذلك على سبيل المثال ارتفاع معدل الجريمة؛ حيث يلجأ بعضهم إلى طريق الجريمة للوفاء بهذه الاحتياجات الأساسية, وكذلك زيادة حدة الاحتقان المجتمعى بما ينذر بثورة هى الأخطر على الإطلاق وهى ما يطلق عليها ثورة الجياع. وأضافت أنه على الرغم من حالة الضيق والإحباط الشديدين التى يعيشها قطاع عريض من البسطاء جرّاء إهمال الدولة لهم وعدم قدرتهم على الوفاء باحتياجاتهم الأساسية, نجد أن هناك جوانب إيجابية تتولد من رحم المعاناة من ذلك على سبيل المثال محاولة هؤلاء الفقراء الدائمة للتكيف مع الواقع ومحاولة تلبية احتياجاتهم عن طريق بدائل أقل تكلفة تحقق لهم قدرا من الرضا والقدرة على مواجهة ضغوط الحياة, من ذلك على سبيل المثال انتشار الأسواق البديلة أو يطلق عليها أسواق (الغلابة) والتى تباع فيها البضائع المختلفة على شتى أنواعها بأرخص من أثمانها؛ نظرا لأنها أقل جودة من غيرها من البضائع ولكنها فى الوقت نفسه تشبع بعض حاجاتهم سواء فى الملابس أو الطعام وغيرها. وطالبت بضرورة العمل على تجاوز الصرعات السياسية من أجل تحقيق استقرار حقيقى يصب فى مصلحة البسطاء الذين عانوا طويلا.