ما نوعية الأزمة التى نواجهها جميعًا؟ هل هى فقدان الهوية؟ بمعنى من أنا ومن أنت؟ وما سمات المرجعية التى ينتمى إليها كل منا؟ وما معايير الالتزام بها؟ ونتيجة لضبابية الإجابة على المحددات السابقة فشلنا فى إيجاد هوية مشتركة تتوافق مع الهوية الخاصة بكل منا. والدليل على ذلك هو الخلاف والاشتباك بل وأحيانا الصراع المفتعل بين هوية الانتماء الدينى وهوية الانتماء الوطنى (المواطنة). أم أن الأزمة التى نواجهها نتيجة فقداننا للحد الأدنى من ثقافة الحياة، وهى مجموعة من المعارف والمهارات والقدرات الحياتية التى تتراكم فى وجدان الإنسان عبر مراحل نموه وتساهم فى بنائها مصادر ثقافة المجتمع من دين وعادات وتقاليد وأسرة ومدرسة وإعلام ورموز مجتمعية، وكل ما يصوغ منهجية ومحددات كل مصدر مع الآخر. إن المقارنة بين نشأة الإنسان فى المجتمعات الغربية منذ أن يكون جنينًا والرعاية النفسية حتى لأمه ناهيك وبين مفهوم ورسالة التعليم واستقرار المجتمع واحترام إنسانيته والإنسان فى مصر، أدى ذلك إلى خلل خطير فى مفهوم علاقة المصرى ليس فقط فى تعامله مع الآخر بل فى علاقته مع نفسه، ولعلى لا أبالغ إن قلت فى علاقته مع الله عز وجل، ولم يسلم من هذا الخلل حتى المتدينون أيا كانت انتماءاتهم وفقدان البعض للأثر الإيجابى للتدين فى الارتقاء السلوكى الحياتى. أم أن سبب الأزمة هو فقداننا منظومة شاملة ومتكاملة للأخلاق، سواء على مستوى الدولة أو المجتمع أو حتى الأسرة والفرد؟ إنها من المؤكد الكارثة الحقيقية، لماذا؟ لأن الأخلاق هى معيار السلوك، بمعنى إنه بناء على تعريفنا للصدق يمكن الحكم على سلوك إنسان ما من قول أو فعل إنه سلوك صادق أو كاذب، فإذا ارتبط التعريف بالهوى أو المصلحة أو البيئة أو المصدر الذى يعرفه، فقد ضاع معنى الصدق، وسقطت قيمته. ولعل أخطر ما جنته مصر من حكم العسكر على مدار 60 عامًا هو اهتراء منظومة القيم الأخلاقية. إذًا الأزمة ليست فى الانقلاب العسكرى ولكن فيما كشف عنه من أزمات نواجهها، ولعل أخطرها هو فقداننا لمنظومة شاملة (تشمل كل حياتنا وعلى مستويات تعاملاتنا) ومتكاملة (بحيث تتسق سلوكياتنا فى نموذج حياتى متناغم). إن الخلق الذى يضبط سلوك الإنسان مع جاره هو نفس الخلق الذى يضبطه فى عمله وفى قيادته لسيارته وفى ممارسة واجبات المواطنة والاشتغال بالعمل الإعلامى أو السياسى أو حتى فى ممارسته للشعائر الدينية. إذًا فليجلس كل منا مع نفسه ويراجع منظومة القيم الأخلاقية التى تضبط وتتحكم فى سلوكياته ويعرضها على المعتقدات التى يقدسها، وأنا على يقين - وليس تحيزا لدينى كمسلم - أن النموذج القيمى للسلوك الإنسانى كما شرعة الله ومثَّله الرسول صلى الله عليه وسلم هو النموذج الأمثل. إننى أرى أننا أمام استحقاقات أخلاقية، وهى التى ستلبى كل الاستحقاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. والله ولى التوفيق.