مع تهاوى قبضته على ثانى أكبر المدن السورية، وهى حلب بعد وصول القتال إليها مع اشتداده فى العاصمة دمشق، وتزايد التوقعات بقرب سقوط نظامه، بدأ الحديث يكثر عمن سيكون الخاسر الأكبر والفائز من سقوط نظام بشار الأسد على المستوى الإقليمى. مراقبون يرون أن إيران ستكون الخاسر الأكبر بكل تأكيد من انهياره، ثم يأتى حزب الله الذى يعتبر سوريا شريان الحياة بالنسبة له، وأخيرا رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى، أما على الجانب الآخر، فستكون السعودية وتركيا أكبر المستفيدين من سقوطه. ولكنْ هناك قلق من استغلال الخاسرين للقضية الطائفية أو اللعب على وترها خاصة الأقلية العلوية المرتبطة بالشيعة التى ينتمى إليها الأسد برغم الأغلبية السنية التى تمثل 72% من سكان سوريا. وتوجد فى سوريا أيضا أقليات درزية ومسيحية وكردية، مما يعنى أن أى انزلاق لحرب أهلية ستكون له آثاره فى الدول المجاورة مثل العراق ولبنان بما لديها من تركيبة طائفية دقيقة بل متفجرة فى بعض الأحيان، ويمكن أن تنتشر مثل هذه الحرب عبر حدود سوريا أو تجذب إليها دولا مجاورة تحاول الدفاع عن مصالحها أو عن أبناء طوائفها. وتشعر تركيا والعراق والأردن ولبنان بالقلق بشأن تدفق اللاجئين عبر حدودها واحتمال صعود السنة فى سوريا التى حذر الأسد من أنها يمكن أن تصبح "أفغانستان أخرى". ويشعر كل جيران سوريا بالقلق بشأن الاستقرار لكن يبدو أنهم يفتقرون لأى تأثير حاسم على الأحداث فى دولة ثبت عجز القوى العالمية الكبرى أيضا عن وضع حد للاضطراب بها، ويبدو أن الإيقاع المتسارع للأحداث يسبق حتى حلفاء سوريا إيران وحزب الله اللذين وضعا كل رهاناتهما على عائلة الأسد التى تمسك بزمام الأمور. وكانت سوريا الدولة العربية الوحيدة التى تدعم إيران فى حرب 1980-1988 مع العراق ولم تسمح مطلقا للخلافات الأيديولوجية مع طهران بعرقلة المصلحة المشتركة فى دعم حزب الله. ويقدر كلا البلدين الجماعة المتشددة المؤيدة للثورة الإسلامية باعتبارها قوة على الجبهة لمقاومة الاحتلال الإسرائيلى والتدخل الغربى فى لبنان منذ أوائل الثمانينيات وأيضا باعتبارها حليفا محليا فاعلا فى السياسات اللبنانية. وأمدت سوريا حزب الله بالأسلحة ونقلت أسلحة إيرانية للجماعة، حسب ما قال حسن نصر الله -زعيم حزب الله نفسه- ووصف سوريا بأنها طريق للمقاومة وجسر بين المقاومة وإيران، وأنها أرسلت الصواريخ التى استخدمت فى الحرب مع إسرائيل عام 2006، وأرسلت إمدادات لحركة حماس فى قطاع غزة. وقيام نظام معاد فى سوريا بعد الأسد سيحرم حزب الله من خط إمداده البرى الوحيد وسيحرم إيران من منفذها الرئيسى على البحر المتوسط وخطوط الجبهة مع إسرائيل. وإذا تولت السلطة فى دمشق حكومة سنية معتدلة فسيساعد ذلك أيضا فى إمالة ميزان القوى الإقليمى فى صالح السعودية، ويعزز وضع السنة فى لبنان المجاور وهو تحدّ آخر لحزب الله. ومع كل هذه التغييرات المحتملة منحت إيران للأسد دعما معنويا -إن لم يكن ماديا- لا يهتز وتبنّت موقفه بأن إرهابيين يعملون لحساب قوى غربية وعربية يتحملون مسئولية الانتفاضة ضده. وبعدما ظلت سوريا لوقت طويل لاعبا مهما فى صراعات السلطة الإقليمية فإنها تجد نفسها الآن ساحة لصراعات أوسع، التنافس السعودى الإيرانى، والتوتر السنى الشيعى، ومنافسة يواجه فيها الغرب روسيا والصين وأدت إلى إصابة الأممالمتحدة بالشلل.