جنون أسعار السلع الغذائية ناتج عن تبنى الانقلابيين حلولاً أمنية لمشكلات مصر السياسية والاقتصادية، وعدم وجود برامج للتنمية الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسى وتدهور الحالة الأمنية وإطالة الفترة الانتقالية وتأجيل حكومات مصر السابقة التعامل بجدية مع المشكلات الاقتصادية التى تواجه المصريين. المصريون ثاروا من أجل العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. حكومة الانقلاب تقول للمصريين: نحُّوا هذه الأهداف جانبًا واصبروا لعدة سنوات حتى نقضى على الإرهاب ونضع دستورًا يعترف بأصحاب الهولوكوست وينصف أتباع بوذا ويحصن السيسى وجنده. وأستغرب كيف يطالب الانقلابيون الفقراءَ بالصبر على الجوع ولا يقومون بتطبيق الحدى الأدنى والأعلى للأجور والاستغناء عن المستشارين الحكوميين ومن تخطى سن الستين فى القطاع الحكومى؟ لا بد للحكومة من تبنى إجراءات تقشفية ترضى المصريين وتعطيهم الدافع للصبر على الجوع وغلاء الأسعار. كما أن تقليص النفقات الحكومية سوف يؤدى إلى كبح جماح التضخم. كما يجب رفع حظر التجول وعودة حركة القطارات ورفع حواجز التفتيش. فهناك مبدأ متعارف عليه بين الاقتصاديين وهو مبدأ "دعه يعمل دعه يمر" وهو الأساس فى رواج التجارة وزيادة الإنتاج والتخصص فيه. فتوقف القطارات وحظر التجول ووجود نقاط للتفتيش تزيد من تكلفة النقل وتفصل بين المنتجين والمستهلكين وتقسم الأسواق. وقد رأينا على قناة الجزيرة مباشر مصر كيف يعانى فلاحو قرية دلجا من عدم القدرة على تسويق محصول الليمون بسبب الإجراءات الأمنية الأخيرة. كما اشتكى البعض من الإتاوات التى تفرض على التجار وسائقى الناقلات مما يزيد من أسعار النقل والشحن. التسعيرة الجبرية التى فرضها الانقلابيون تضر بالمنتجين والتجار وتطرد الاستثمارات، عندما لا يوفر سعر المنتج هامشا للربح. فما ذنب آلاف التجار الذين تم فرض محاضر ضدهم لمخالفتهم التسعيرة الجبرية؟ وبدلاً من ذلك، يجب أن تقوم الحكومة بشراء السلع الغذائية بالأسعار التى تحددها آليات العرض والطلب، ثم تقوم بطرحها فى المجمعات الاستهلاكية بأسعار مدعمة. كما أدعو الانقلابيين لاتباع نهج الرئيس مرسى فى دعم الإنتاج الزراعى وتوفير مدخلات الزراعة وإعفاء المزارعين من الديون وتوفير قروض ميسرة لهم، كذلك ودعم مدخلات الإنتاج الزراعى. أضف إلى ذلك أن حكومات النظام العسكرى فشلت فى حماية الأرض الزراعية من التآكل والبناء عليها وتوفير مياه الرى للأراضى المزروعة. فالبناء على الأرض الزراعية يلتهم أكثر من 33 ألف فدان سنويًا، وقد زادت وتيرته مؤخرًا فى ظل إنشغال قوات الشرطة فى محاربة الإخوان وقمع المظاهرات. كما أقترح أن تقوم القوات المسلحة بتطهير الترع وصيانتها وضمان وصول المياه لكل الأراضى المزروعة حتى يزداد الإنتاج الزراعى. فقد تم تبوير 4 آلاف فدان فى كوم أوشيم بالفيوم بسبب نقص المياه. ومن أسباب ارتفاع الأسعار محاربة الحكومة لزراعة الأرز بسبب نقص المياه. فقد قامت بتقليص المساحة المزروعة لتصل لحوالى مليون و272 ألف فدان بعد أن كانت مليون و650 ألف فدان عام 2009. وقامت بإزالة وتغريم حوالى ألفَى فدان تم زراعتها بالمخالفة هذا العام. فللأسف، فشلت حكومات العسكر فى زيادة موارد مصر من المياه عن طريق ضمان حصة مصر فى مياه النيل الأخضر وتنفيذ مشروع قونقلى فى جنوب السودان وتنفيذ مشروعات لحصاد المياه فى بحرى البقر والغزال فى جنوب السودان. وهذا ضرورى للتوسع رأسيًا وأفقيًا فى زراعة الأرز والسلع الزراعية الأخرى. وأستغرب من توقف حكومة الانقلاب عن استيراد اللحوم من السودان وإلغائها مشروع الرئيس مرسى لتأجير أراضٍ فى السودان لزراعتها بالقمح. كيف لحكومة تعانى من نقص فى العملة الصعبة وتستورد 55% من السلع الغذائية أن تتبنى مثل هذه الإجراءات؟ الرئيس مرسى كان يخطط لتكامل إستراتيجى مع السودان من شأنه تخفيف حدة أزمة الغذاء فى مصر. وفشلت حكومات العسكر فى تعمير سيناء والساحل الشمالى. وأدعو الجيش أن يقوم بنزع الألغام فى الساحل الشمالى ومد البنية الأساسية فيه بدل الانهماك فى السياسة. فخطة تعمير سيناء التى اعتمدها الرئيس مرسى وخصص لها 4 مليار جنيه وكلف الجيش بتنفيذها كانت ستساهم فى سد فجوة الغذاء فى مصر بشكل كبير. كما تجاهلت حكومات العسكر تنمية الثروة السمكية وحل مشكلات الصيادين ودعمهم. وقد سمعنا عن المشكلات التى تواجه الصياديين فى بحيرة البرلس مؤخرا. فتنمية الثروة السمكية وزيادة الاعتماد عليها يقلل الاعتماد على الماشية التى تنافس الإنسان المصرى على المساحة الزراعية المحدودة حيث تزرع ملايين الأفدنة بالبرسيم والدراوة لتغذية الماشية. وأتوقع تفاقم أزمة ارتفاع الأسعار فى المستقبل بسبب الحلول الأمنية وهروب رءوس الأموال الأجنبية وتوقع انهيار الجنيه المصرى، وزيادة قيمة الواردات الزراعية، واستمرار التعدى على الأرض الزراعية وتفاقم أزمة مياه الرى، وعدم وجود برنامج قوى للانقلابيين للتنمية الزراعية والريفية وزيادة الثروة السمكية. فالتنمية الزراعية ومشكلات مصر الاقتصادية لا يمكن تأجيلها لمدة سنتين حتى الانتهاء من الفترة الانتقالية.