المحتالون أنواع، وأفضل الحيل عندهم للاستخدام هي الحيل المجرَّبة، التي أثبتت نفعها، فلم لا يعاد تجربتها، وفي المثل الشعبي: اسأل مجربا ولا تسأل طبيبا. لكن بعض سذج المحتالين يغفلون عن شرط مهم، وهو ألا يستخدموا نفس الحيلة مع نفس الشخص، وإلا فإنه بالطبع سيكتشفها، والمؤمن والعاقل والكيِّس لا يلدغ من جحر مرتين. في بعض الأحيان تفاجأ بابنك الصغير وقد عاد من المدرسة ليجرب معك (مقلبا) تعلمه من زميله، ثم يصدم حين تفسده عليه، ويظل يتساءل: أنى لك هذا وهو (مقلب) جديد؟ وينسى أنك كنت يوما ما تلميذا. جرب العسكر معنا حيلة الخيار الواحد، خارطة الطريق أو المجهول، فاخترنا خارطة الطريق، ونجحت حيلتهم، فلماذا لا يجربونها مرة أخرى. في المرة الأولى قالوا: الاستفتاء على ثمان مواد معدلة من الدستور. (ماشي)، (طيب) تسمحوا بسؤال: ماذا لو كانت نتيجة الاستفتاء بالموافقة؟ يجيبون: سنصدر إعلانا دستوريا مكونا من اثنتين وستين مادة. سؤال ثان: ماذا لو لو رفض الشعب الموافقة على المواد المقترح تعديلها من الدستور؟ يجيبون: سنصدر (أيضا) إعلانا دستوريا لتنظيم الفترة الانتقالية. المحصلة صفر في الحالتين، لكنها - لسوء حظنا - انطلت علينا، لا بأس، لنتعلم. الآن للمرة الثانية يقولون لك: تعال إلى خارطة الطريق، ففيها مصلحتك ومصلحة البلد. وكذبوا ليس فيها إلا مصلحتهم وحدهم. يقولون: صدقنا هذه المرة. ونقول: كيف نصدقكم وهذا أثر فأسكم؟! يقولون: اختر كيف تشاء، أمامك خياران: خارطة الطريق أو خارطة الطريق! تعيد الأسئلة مرة أخرى: احتمال مجرد احتمال ولو بنسبة (1%)، ماذا لو تم رفض دستور لجنة الخمسين المعينة بقرار من الرئيس المعين من قبل وزير الدفاع المعين؟ يقولون: إن تمت الموافقة - وهي مضمونة بالأساليب "المباركية" طبعا - فهذا منتهى المراد من رب العباد، وإن تم الرفض فسنعد نحن خارطة طريق جديدة "لانج" تنظم الفترة الانتقالية. هل رأيت مرة ثورا يدور في الساقية وقد غمى صاحبه عينيه، ويظل الثور المسكين يدور ويدور، حتى لربما حسب نفسه كريستوف كولومبوس يكتشف العالم الجديد في أقصى الكرة الأرضية، وهو في الحقيقة لم يبرح مكانه. وهكذا دواليك، نظل ندور في حلقة خارطة الطريق المفرغة إلى ما لا نهاية. أما مسألة الخيار الواحد، أو خارطة الطريق أو المجهول، فهي أشبه بحالك حين تدخل مطعما لتطلب العشاء فتفاجأ بأن قائمة الطعام تضم طبقا وحيدا، تسأل: ألا يوجد أطباق أخرى؟ فيقولون: لقد أشرف على إعداد هذا الطبق أعظم طباخ في البلد، والناس كلهم يحبونه. فتقبله على مضض، أو تهم بالمغادرة والأنكى أن يطالبك أصحاب المطعم بدفع فاتورة طبق لم تأكله أو تتناوله، فهذا نظام المطعم، و(دخول المطعم ليس مثل الخروج منه). أو أشبه بصديق يمزح معك فيقول لك: أريد أن أدعوك فاختر، هل تفضل أن أدعوك على فول وطعمية، أو طعمية وفول، أو تحب أن تشرب شايا بلبن ولا لبنا بشاي. والمفاجأة أن خارطة الطريق نفسها غير مقصودة، وإنما المقصود أنت، أن تدخل في الدوامة، دوامة خارطة الطريق، وأيا كان موقفك بعد دخولك فهذا لا يهم، لأنك ستدور مع موجاتها سواء أردت ذلك أو لم ترد، ولن تخرج إن خرجت إلا جثة هامدة لا روح فيها. إنها تشبه (زحليقة) الأطفال، بمجرد أن يجلسوا على طرفها يجدوا أنفسهم في الطرف الآخر، سواء كانوا مستمتعين أو خائفين أو حتى باكين مولولين. دعونا نقول للطباخ غير الماهر، معد الصنف الوحيد: طبيخك سيء، لا نسيغه، ولسنا مضطرين لأكله، أو دفع قيمته. دعونا نقول لصاحب الحيلة: إن خياراتك المحدودة كأفقك لا تناسبنا، ولنا خياراتنا المستقلة ولست أنت جزءا منها. دعونا نقول لراسم خارطة الطريق: إن خارطتك مضللة، لن توصلنا إلى شيء، جربها الشعب المصري مرة، ولن يجربها كرَّة أخرى تحت أي ظرف، وأنه - أي الشعب - يرسم خارطته بنفسه، ويعبد سبيله بيده وقدمه، ويشق طريقه بعرقه ودمعه ودمه.