آلة الإعلام الانقلابية بدأت تتحدث عن "المصالحة" (من بعيد لبعيد) كما يقول العامة، ويقولون: إن سلطات الانقلاب بذلت جهودا كبيرة ودشنت "مبادرات" عديدة لكن "الإخوان" لا يستجيبون للحوار الهادئ العاقل !! وبعض عرَّابى الانقلاب مثل "هيكل" و"أبو المجد" يصفون موقف التحالف بالجنون، وآخرون يصفونهم باللاواقعية، وتمادى البعض فوصفهم بعدم السواء النفسى، ورغم أن "مظهر" اقترح ترحيلهم إلى "غانا"، إلا أن "خطيب الأزهر" قد دعا إلى نبذ الخلاف والتفرغ لبناء الوطن، وهى الدعوة التى حظت بوضعها فى شريط أخبار قنوات الانقلاب، ناهيك عن أن بعض القنوات بدأت جس النبض فى استضافة بعض المختلفين مع الانقلاب، أو أوعزت لبعض المذيعين المشهورين بتوجيه بعض الانتقادات على الأداء الحكومى لتخفيف حدة العداء، مع ملاحظة أن هناك أصواتا يقول لسان مقالها وحالها (على جثتى) أن تحدث هذه المصالحة، وبالقطع هؤلاء من يعلمون أنه لا أحد سيسامحهم، وأن الانقلابيين قد يتخلَّون عنهم فى وسط الطريق، فهؤلاء يوسوسون "للسيسي" بإعدام (الشعب الآخر) لكنهم عاجزون عن إرشاده عن كيفية تنفيذ هذا الحكم ! ونتوقع هذه الأيام أن نسمع نصائح كثيرة لحث التحالف على الاستماع "لصوت العقل"، والأسباب التى يسوقها الناصحون تتلخص فى: أولا- وجوب التسليم لواقع جديد فرض نفسه، والانصياع لاستحقاقات هذا الواقع، وأهمها الاعتراف بشرعية حكم العسكر.! ثانيا- ضعف التحالف بعد اعتقال قياداته وعلى رأسها قيادات "الإخوان"، والتشرذم، مع غياب التأييد الشعبى وارتفاع شعبية "السيسي".! ثالثا- الواقع الإقليمى (إسرائيل – الخليج) وكذلك الرئاسة الكونية "الأمريكية"(!)، هؤلاء يحتضنون الانقلاب ويؤيدونه ويدعمونه فى مواجهة معارضيه. رابعا- أن مزيدا من الرفض للواقع يعنى مزيدا من الضحايا فى صفوف المعارضين، والخاسر هو التحالف وأنصاره. هذه الحجج وغيرها تساق محشوة بكلام من أمثال (الأمن القومى وتهديده، أنتم أهل التضحية فقدموا نموذجا فى إنكار الذات، الشهداء طبعا حقوقهم محفوظة ... ووو ... إلخ). ولو راجعت المطالب الإقليمية والدولية "للمقاومة الفلسطينية" لوجدتها متطابقة تماما، فهم مطالبون بإعمال العقل أيضا، وإلقاء السلاح والجلوس على مائدة المفاوضات ونسيان المطالب الأساسية مثل (حق العودة) أو (استعادة كامل التراب الوطنى) أو (وحدة القدسفلسطينيا)، وعلى المقاومة أن تتعامل مع الواقع الجديد لحقن دماء الأبرياء من الفلسطينيين والإسرائيليين، والعيش فى سلام فى دولة (اتفاقية أوسلو) التى لا تتجاوز 5% من أرض "فلسطين"، وفى دولة بلا جيش يحميها. ولكنها لم تسمع لصوت العقل فكانت الحرب الصهيونية على "غزة" بدعم (أمريكى) ورضا (مصرى – خليجى). هذا على التوازى مع اغتيال القيادات واعتقالها ومحاولة تدمير قدرات استمرارها فى الحكم والمقاومة. مازالوا ضعفاء ... نعم. محاصرين ... نعم. لكنهم أصبحوا قيمة وقامة ورمزا وخلودا... وأملا. لكن لعل الخرائط السياسية مختلفة فى بلدنا، فلماذا لا نستمع لصوت عقلهم؟ والحقيقة أننا لا نستمع إلا لصوت العقل فعلا، ولكن لصوت العقل اليقظ، وليس العقل المغيب ولا المنهزم ولا اليائس ولا الملتبس. نستمع لصوت العقل المؤمن راسخ العقيدة، وليس المصلحى ولا الخائن ولا المتآمر. نستمع لصوت العقل الذى صمد حتى رأى ثورته تتحول من مجرد اعتصام بميدانين، إلى يقظة وهبَّة فى كل أرجاء الوطن، شوارعه وميادينه وأزقته وقراه ونجوعه ومراكزه، ثم ها هى تجدد نفسها بانطلاقة مذهلة بطعم شباب الجامعة، ويقولون ضعف الشعبية!! الآن يشهد الجميع تراجعا فى مواقف الذين أغواهم إعلام العار، ونلمح هلع الذين راهنوا على "السيسي" وقواته التدميرية. اليوم يظهر للجميع أنهم وقعوا فى شراك خادعة، فقد كان لهم "رئيس شرعى" و"حكومة" يسهرون الليل على خدمتهم، ولكن شوهتهم غربان الخراب، وعتَّمت على الناس حقائق جهادهم وإنجازاتهم. اليوم يستيقظ الشعب على الواقع الذى يريدوننا أن نعترف به، وهو الفشل الذى حط برحاله على كل جنبات الوطن، ويظهر رجال الانقلاب حيارى عاجزين، لم يشفع لهم تاريخهم التنظيرى ولا ملابسهم الأوروبية "السينييه"، ولا صراخهم وتحذيرهم من حكومة "مرسي" وسياساته، وكأنهم مُلاك الحلول والمعارف، وها هم يتلعثمون كالذى يتخبطه الشيطان من المس، لا يفعلون شيئا إلا سلب المواطنين المزايا والمشروعات التى أسس لها رئيسهم الشرعى. اليوم تسقط "المحكمة الدستورية" التى ارتضت أن يكون كبيرها هو رمز الانقلاب، وأن تكون هى راعية تعطيل الدستور التى أنشئت من أجل حمايته، وهل كانت ستتعرى لولا الانقلاب؟! اليوم يسقط "قضاء مبارك" الذى ضبطه الثوار متلبسا بالتبعية، ذليلا لإرادة شاويش الانقلاب، فهل يكون لهم عين بعد ذلك أن يساوموا على مزايا من الحكام يوم تصل الثورة إلى غايتها؟ يومها ستفتح الأبواب للكفاءات المخلصة، التى ستؤسس لجمهورية القضاء الثانية بعد أن خرب "قضاة مبارك" جمهوريتهم العظيمة الأولى. اليوم ظهر الفارق بين أنصار "الرئيس الشرعى" الذين ضحوا بأوقاتهم وأعمالهم الخاصة، وانطلقوا يمينا ويسارا، وسافروا بطول الدنيا وعرضها ليجلبوا الخبرات الحديثة، ويقنعوا الاستثمارات بالعمل الإنتاجى بالوطن، وبين فرق مفترسة تنتظر المغانم وتقاتل عليها ولو كانت مصالحهم على دماء وطنهم وتشرذمه وتهديد أمنه القومى. اليوم ظهر أصحاب الفكر والرأى الحقيقيون، وانكشف لاعبو الأجندات، فكانت مدرسة "سيف عبد الفتاح والجوادى" فى مواجهة مدرسة "نافعة" و"المعتز بالله" وأمثالهما. اليوم ظهر الإسلاميون الذين عارضوا "الإخوان" بالأمس، فلما وقعت الواقعة بالوطن تمايزوا فكانت مدرسة "أبو العلا وسلطان" الذين تخلصوا من شوائب الماضى وانبروا مدافعين عن الوطن، وكانت مدرسة "الهلباوى ونوح وحبيب وبرهامى" الذين عميت عليهم الحقائق أو أبصروها لكنهم انحازوا للباطل. وظهر "الأزهر" بلا رتوش، ذلك الذى رحب بالإسلاميين وهم فى السلطة، ثم انغمس فى وحل الانقلاب، وبرر القتل، بل وحض عليه، وحاصر أبناءه بالأمن وتآمر على اعتقالهم، ظهر "أزهر" غريب لا نعرفه، كان مستورا بالأمس، ولكنه لم يستطع الآن المناورة؛ فقد فضحتهم نازلة ال (33 شهيدا) من أبناء الأزهر، والذين لم يحركوا لها ساكنا، بل لوثوا زمننا بالتآمر على أبنائهم، وما زالت حشود الطلاب الغاضبة تفضح مسئولى العار الأزهرى. ومع كل هذا فقد بزغ فجرنا.. الآن ظهر نجم نجومنا، وظهر حسن طالعنا، ظهرت (مصر- الكرامة) التى أفنينا عمرنا نحلم بها. ظهر "شباب الشرعية" ليعيدوا لنا هذا (الوطن الحلم)، ظهروا ليعلنوا الفارق بين من يعطى حياته من أجل مبادئه، وبين من يمد يديه ليقف فى مظاهرة مصنوعة ضد الشرعية. لم تعد "مصر" التى تجمعها عصا وتفرقها صفارة. إنها "مصر" جديدة، لا تحفل بأكاذيب، ولا يجرفها التزييف، ولا يردعها الرصاص. الآن نحن نوقن أنه ما دامت (مصر - الكرامة) قد أتت فإن (مصر – الاقتصاد والتقدم) أصبحت على الأبواب. وهنا نسأل نحن: مع كل هذه الانتصارات والانجازات لثوار الشرعية، ومع كل هذه الانتكاسات (لأوباش) الانقلاب، من الذى ينبغى أن يستمع لصوت العقل؟ مع اعتبار أن ما ذكرناه ليس إلا نقطة فى بحر انتصاراتنا وانكساراتهم. ثم ألم تصل الرسائل إلى "السيسى" مع تزايد الشهداء والمعتقلين والجرحى والمطاردين، بأنه لا رجوع؟ ألم يتيقن أنه أخطأ خطيئة عمره التى تحتاج لخبير يابانى ليعرفه كيف يكفر عن خطئه بالانتحار على الطريقة اليابانية البشعة؟! ألا يشعر الانقلابيون بالخزى حين ترعاهم "أمريكا" فى السر ثم تخشى الإعلان عن تأييدهم كأنهم جرب سيلحق بجسد "أوباما"؟ هل هذه دولة؟ هل هؤلاء رجال؟ هل نجلس مع طغمة فاسدة موحولة لنمنحهم شرف الاعتراف بهم وننجو من عذابهم ونسقط شعبنا وأمتنا فى براثنهم إلى الأبد؟ ويقول لنا أصدقاؤنا: تذكروا "الأمن القومى" المهدد بسبب تشرذم الجيش، نقول لهم: إن التهديد الحقيقى هو فى بقاء قيادة عسكرية تغامر بجيش الوطن من أجل نزوات الحكم، وما لم نردعها اليوم فسيظل أمننا مهددا لصالح الصهاينة. وأخيرا، فقد استبان لكل منصف أن صوت العقل الآن فى الصمود والاستمرار والغضب والرفض. صوت العقل فى هدم دولة الظلم والفساد والخيانة لنبنى مصر التقدم والأمان. صوت العقل فى خفقة قلب الشهيد، وقطرة دم الجريح، وظلمة زنزانة الحبيس، ووحدة وغربة الطريد. صوت العقل هو صوت الشباب المبرأ من الهوى. تقدموا يا شباب ونحن وراءكم.