هل يمكن أن يقوم انقلاب عسكري، لكي يسمح المنقلبون بعودة النظام الشرعي الذي انقلبوا عليه من خلال انتخابات نزيهة؟ هل يمكن لنظام انقلابي كان أول ما أقدم عليه هو تكميم الأفواه واعتقال الصحفيين وغلق الصحف والفضائيات، أن يحترم بعد ذلك الأصوات الرافضة له في الصناديق؟ هل يمكن أن يسحق العسكر ستة انتخابات واستفتاءات ببياداتهم، ثم يسمحوا باجراء انتخابات نزيهة؟ هل يمكن أن يسلم قادة الانقلاب رقابهم لممثلي الشعب الذين انقلبوا عليهم وأودعوهم المعتقلات؟ أظن أن الإجابات على هذه التساؤلات واضحة وبديهية. لقد مر صندوق الانتخابات المسكين بالتجربة نفسها التي تعرض لها في انتخابات 2005، عندما لم يتحملوا نزاهته في المرحلة الأولى، فعادوا إلى تزويره في المرحلتين التاليتين. وهكذا عندما أصبح الصندوق نزيها عبر خمسة انتخابات واستفتاءات منذ مارس 2011، لم يتوقف هجوم وتحريض الساقطين للانقلاب عليه، حتى تحقق لهم ما يريدون. لقد كان حلما جميلا عشناه على مدى عامين جرت خلالهما أنزه انتخابات واستفتاءات في تاريخ مصر، أسفرت عن أول برلمان وأول رئيس مدني جاءا باختيارنا الحر من بين جميع أطياف الجماعة السياسية. ثم استيقظنا من الحلم على سلسلة كوابيس، بدأت منذ عام بالانقلاب على البرلمان، ومرت بمحاولة الانقلاب على الجمعية التأسيسية، وانتهت بالانقلاب على محامي الشعب (النائب العام)، والرئيس المنتخب والدستور المستفتى عليه. لقد عادوا بمصر ستة عقود إلى إنقلاب يوليو الأول. ففي أزمة مارس 1954، خرجت مظاهرات مفتعلة تهتف بسقوط الديمقراطية، تذرع بها الطاغية جمال عبد الناصر للانقلاب على الرئيس محمد نجيب، وشن حملة اعتقالات ضد جماعة (الإخوان). ثم يأتي اليوم أتباع عبد الناصر ليقودوا انقلاب يوليو الثاني وإطلاق حملة إعتقالات ضد (الإخوان)، متذرعين بمظاهرات مفتعلة لحشود مغسولة عقولها بالكراهية، خرجت تهتف بسقوط الشرعية، تم التخطيط لها بإحكام منذ شهور. وبذلك اكتمل الانقلاب على الديمقراطية من أجل استبدال ثورة يناير الشعبية بثورة يونيو الانقلابية المضادة، وانطلق الهجوم الثأري المنظم على القوة الأولى المسئولة عن ثورة يناير، وبدأت عملية إعادة هندسة الساحتين السياسية والاعلامية، بما يعيد الأوضاع إلى ما قبل 2011. ثم يتحدثون عن انتخابات نزيهة!! وكما حدث مع انقلاب يوليو الأول، سنجد من الطواغيت والمنافقين الجدد من يبرر الإجراءات القمعية ضد المتظاهرين والمعتصمين، وتلفيق القضايا واقتحام زوار الفجر للبيوت وغرف النوم.. إلخ. هذا مسلسل معروف وبديهي يصاحب الانقلابات العسكرية بالضرورة، تكرر كثيرا في الماضي الأليم. وسيظهر طابور طويل من "الشهود" في محاكمات صورية أمام "القضاء الشامخ" تنتهي بمهرجان إدانة للجميع. وبعد أن يتم الزج بقيادات ورموز الإسلامية الوسطية في السجون، وتعاد صياغة الدستور بما ينص على حل جماعة (الإخوان) وحظر الأحزاب الإسلامية، وإقامة محاكم للتفتيش في نيات كل من يسعى لإنشاء حزب سياسي جديد، ستجري الانتخابات، وسنجد من يصفها بالشرف والنزاهة. لماذا رفض الانقلابيون عقد استفتاء فوري على الرئيس مرسي أو على خريطتهم للمستقبل؟ لأنهم ببساطة لا يملكون المخاطرة. كما تطلب الانقلاب على الرئيس شهورا من التخطيط والاعداد، فهم في حاجة إلى فترة زمنية ينقلبون خلالها على الإجراءات التي ضمنت نزاهة الانتخابات خلال العامين الماضيين، ويعيدون خلالها تكييف العملية الانتخابية على إجراءات التزوير الممنهج. لن يراهنوا على ما نجحوا فيه من تكفير نسبة معتبرة من الشعب بالديمقراطية، وذلك بعد أن تزلزل كيانه بما جرى مع برلمانه ورئيسه ودستوره. وعلى الرغم من أن ملايين المصريين سيعتزلون كل "انتخابات" قادمة بعد البطش بالقيادات والرموز التي انتخبوها، فإن التزوير قادم لا محالة لأنه أسلوب حياة متجذر في العقيدة العلمانية. هذه الملايين أصبحت على يقين بأنه كما يُعاد (الإخوان) إلى السجون، سيعاد بأصواتهم إلى صناديق القمامة. وعلى الرغم من هذا التغييب المتعمد للناخب الاسلامي، سنجد من لا يخجل من وصف الانتخابات بالشرف والنزاهة.. فنحن في زمن الإفك بامتياز. ولذلك فإني لا أتفق مع ما كتبه الأستاذ محمد عبد القدوس (4/8) بشأن الدستور المعلمن الذي تجري صياغته الآن بقوة الدبابة، حيث قال أنه "لا يجب مقاطعة الاستفتاء على تلك الجريمة، بل تكون كلمة لا هي الغالبة حتى لو تم تزييف النتيجة". إن "لو" هنا لا محل لها لأنه في ظل نظام انقلابي، فإن تزوير النتيجة حتمي. إن المشاركة في هذا الاستفتاء تضفي شرعية على إسقاط الدستور المستفتى عليه، كما تضفي شرعية على النتيجة الزائفة التي سينتهي إليها، وعلى النظام الذي وضعه. أما مقاطعة الأغلبية له ولأية انتخابات يدعو إليها هذا النظام، فلن يكون لها إلا معنى واحد.. أن هذا الدستور الانقلابي باطل، وأن المقاومة لن تتوقف حتى يعود الدستور الشرعي. لقد أعلن أحدهم أن الكوته التي لن يُسمح للاخوان بتجاوزها في انتخابات البرلمان الانقلابي التي ينوون إجراءها، هي 15%.. فكيف يقبل (الإخوان) المشاركة في هذا الهزل؟ إن المقاطعة ركن أساسي من أركان المقاومة، إذا أسقطناه، فلن تصمد المقاومة للاحتلال السيسي طويلا، وستكون الخطوة الحتمية التالية هي وصول السيسي لقصر الرئاسة. لايوجد إلا حل واحد، وهو الاستمرار في الحشد والتخطيط لزيادة الحشود أسبوعا بعد أسبوع، بحيث يكون الهدف هو أولا: ألا يهنأ النظام الانقلابي بأية درجة من الهدوء والاستقرار، وثانيا: الوصول إلى 25 يناير القادم ونحن قادرون على حشد عشرات الملايين (صدقا وليس كذبا) في شوارع وميادين مختلف المدن المصرية.