يأتى العيد، وهو مكافأة الله -تعالى- للمسلمين؛ ليفرحوا وليسعدوا بما قدموا من طاعة، وبما بذلوا من تضحيات، فترى أهل التقى المقربون يشتاقون لهذا اليوم، فرحين مستبشرين؛ طمعًا فى الجائزة، فلا تكف أياديهم عن العطاء طوال هذه الأيام المباركة، ولا تتوقف قلوبهم عن الحب والبشر والسلام، لمن يعرفون ولمن لا يعرفون. أما أهل المعاصى، المنغمسون فى الجرائم والآثام فلا يشعرون بمزية هذا اليوم، ولا يقدرونه قدره ولا يفهمون معانيه، بعدما ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون.. وإذا الناس يفرحون ويمرحون ويتسامرون، تراهم -لذنوبهم- مغمومين مهمومين، يحسبون كل صيحة عليهم، يخافون من قدوم أهل الحقوق عليهم، يتوقعون فى كل لحظة أن يُفعل بهم ما فعلوا بغيرهم. وليس بعد الشرك ذنب أفظع من قتل النفس التى حرّم الله إلا بالحق، فما بالك إن كانت هذه النفس مسلمة قانتة عابدة؟!.. ولو أن مائة شاركوا فى قتل امرئ مسلم فقد حق عليهم القتل أجمعين، فما بالك بمن قتل آلافًا من هؤلاء الكرام؟!.. كيف يهنأ هذا القاتل فى مثل هذا اليوم العظيم الذى هو نفحة من نفحات الله؟! إن ربك –سبحانه وتعالى- حكم عدل، ولا يرضى لعباده الظلم أو الخديعة، وهو عالم الغيب، خبير بنفوس العباد، يجزى كل نفس بما قدمت، فى الدنيا والآخرة، فأهل الصلاح هم أهل السعادة والكرامة فى الدارين، والقتلة الظلمة لهم الشقاوة والإهانة هنا وهناك.. والذى ذبح المسلمين الموحدين بدم بارد وأشعل النار فى جثامينهم، ولم يفرق بين صغير وكبير، ورجل وامرأة وطليق وأسير - لا شك سيكون هذا العيد يومًا أسود عليه وعلى من عاونه فى جريمته، أو حتى أشار عليه بالرأى والمقترح. أتخيل أهالى الشهداء والمصابين والمعتقلين والمطاردين والمضارين من هذا الانقلاب الدموى، فأدعو على جميع من شارك فى هذه الجرائم بأن يطمس الله على أموالهم وأن يشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم.. فاللهم يا منتقم يا جبار: انتقم منهم شر نقمة واجعل ليلهم نهارًا ونهارهم ليلا، ولا تدع لهم ذرية صالحة تقر بها عيونهم، واجعل -يا رب الأرباب- ما اغتصبوه نارًا عليهم فى الدنيا وعذابًا لهم فى الآخرة. اللهم إن العيد عيد المسلمين، وهؤلاء قتلوا المسلمين، الركع السجود، اللهم فافرق بيننا وبينهم، اللهم إن أردت تعجيل الخير لأهلك وخاصتك فعجل يا مولانا بالانتقام من السيسى، ومن علماء السوء الذين عاونوه، ومن الفاسدين والطائفيين والمنافقين الذين شاركوه، واجعل يا ربنا أيام هذا العيد هناءة وبركة لأوليائك وأهل طاعتك، تعاسة وبؤسًا ونكالا على من قتلوا إخواننا وأسالوا دماءهم أو أصابوهم أو أهانوهم، واجعلهم يا جبار عبرة لكل الطغاة المستبدين. والله إنى على يقين أن تلك الفئة القاتلة لن يرقأ لها جفن، ولن تهنأ بعيد ولا بغير عيد، ومن ظن غير ذلك فقد افترى على الله أمرًا عظيمًا.. ما يدفعنا لتهنئة أهالى الشهداء فى هذه المناسبة، مناسبة العيد، فأرواح أبنائهم -بإذن ربهم- فى حواصل طير خضر تسرح فى الجنة، وهم عند ربهم يرزقون فى نعيم ما بعده نعيم، وهم شفعاء لهم إن شاء الله.. وقد رأيناهؤلاء الأهل الكرام فى سكينة ورضا كبيرين قانعين مستبشرين بنعمة الله، وهذا -والله- من فضل الله على الناس، فهو الصبر أفرغه الله عليهم إفراغًا، فلا هلع ولا جزع ولا اعتراض، بل تسليم تام وقبول بما آتاهم الله، يرونه خيرًا ويراه غيرهم -من القتلة والعصاة- غير ذلك. يخرج أبناء الشهداء فى العيد فخورين بآبائهم وما قدموا، يقابلون بالتهانى والتبريكات، وينزوى القتلة الدمويون خلف جدران بيوتهم ينتظرون الموت، تناديهم أصوات مخيفة من داخلهم تهددهم بكل مكروه لما فعلوه بالصالحين، فأنى يفرحون بالعيد؟!، وأنى تكون لهم رغبة حتى بالمشاركة فيه؟! إن المجرمين إذا نظروا: كم يتموا من الأطفال، وكم رملوا من النساء، وكم خربوا بيوتًا بعد عمار، وكم هيجوا بلدًا بعد استقرار - لسوف يدركون حجم الجحيم الذى ينتظرهم، والعاقل منهم من يدين نفسه، فيعرضها للقصاص، ولا يعاند ولا يكابر، وليعلم أن الله لن يقبل منه صرفًا ولا عدلا إلا بعد توبة نصوح، ورد الحقوق لأصحابها، والانهماك فى الطاعة والتكفير عما وقع منه.. وبهذا ينحسر الظالمون، وتبوء الفئة القاتلة بالخسران والبوار. لقد جاء هذا العيد، والناس فى غمّ وهمّ وحزن عريض؛ لما فعله الجبابرة بالبلاد والعباد.. لكننا واثقون أن فرج الله قريب، وأنه -سبحانه- غالب على أمره؛ إذ جعل لكل عسر يسرين.. وما نظنه ضيقًا اليوم سوف نراه منفرجًا واسعًا بعد حين.. فاللهم عجل بنصرك الذى وعدت، وألهمنا رشدنا، وأفرغ علينا الصبر كله، وتب علينا لنتوب.. برحمتك يا رب العالمين.