ذهب المناضل الحنجوري حمدين صباحي إلى سيده يستأذنه في نزول الانتخابات الرئاسية، وعلى ما يبدو فإن سيده لم يعطه اجابة شافية، ولكن المناضل المشتاق فهم من صمت سيده أنه موافق على ترشحه، فخرج من عنده إلى القنوات الفضائية موحيا إلى الناس أنه مرشح الثورة. في اليوم التالي أرسل سيدهم إلى جبهة الانقاذ أن ما يشيعه حمدين "الخمورجي" ليس صحيحا، فخرجت جبهة الإنقاذ على قلب رجل واحد ببيان قالت فيه: "ليس لدينا مرشح للرئاسة". وجد المناضل الحنجوري نفسه في مأزق فخرج مع محمود سعد ليعلن نيته للترشح بشرط موافقة سيده السيسي، وحينما قاطعه محمود سعد، قال جملته الشهيرة: "أنت تأمر يا سيسي". نحن أمام مصطلحات جديدة على يد عبيد البيادة، وهو مصطلح "ديمقراطية الاستئذان" من ولي النعم، وهكذا يتجلى الموقف الحقيقي لديمقراطية الانقلاب، لا ترشيح إلا بإذن، ولنا أن نتصور لو منح السيسي صباحي الإذن بالترشح ثم فاز صباحي، كيف ستكون العلاقة بين الرئيس المناضل الحنجوري وولي نعمته؟ من سيدير من؟ وما هو الفرق بين عدلي منصور وحمدين صباحي الرئيس المستأذن في أمره؟ المناضل الحنجوري الذي كان يصول ويجول في عصر مرسي، ها هو اليوم يكاد يبول على نفسه وهو يسمع تسريبات السيسي تفضحه وتحط من شأنه وتنعته بأوسخ النعوت ألا وهو أنه خمورجي. المناضل الحنجوري الذي كان أسدا من ورق في عصر الحرية، عصر مرسي، أصبح عليه أن يستأذن في كل شأنه، من دخول الحمام إلى دخول سباق الرئاسة الذي لم يهنأ به بعد كلام سيده وولي نعمته. هنا يبدو الفرق بين رئيس كان يتيح للجميع حرية التعبير عن الرأي إلى حد السفالة أو الثمالة - بمناسبة أن حمدين طلع خمورجي - وبين انقلاب عسكري يرى الآخرين دُمى يحركها كيف يشاء وعلى الجميع السمع والطاعة دون وعي أو تفكير. هنا تتجلى عظمة مرسي الذي ربما لا يدركها لاعقو البيادة وأصحاب الإذن ولو بعد حين. فرق كبير بين رئيس منتخب يثق في نفسه وفي قدراته، وبين زعيم انقلاب يخاف من كل شيء يتحرك حوله، ومع ذلك نجحت "رصد" في اختراق هيكله أو معبده الحصين وأذاعت ما يدور في الغرف المغلقة، وهنا أتساءل: هل السيسي الذي لم يستطع الحفاظ على سرية حديث خاص بينه وبين مدير حملته المتوقع "ياسر رزق" قادر على حماية أسرار مصر؟ أشك في ذلك، بل أعتقد أن أسراره الشخصية باتت معرضة للتسريب، وستكشف الأيام المقبلة عن المزيد حول شخصية هذا الرجل الذي أرادوا تصويره على أنه بطل مغوار فإذا به ضعيف متهالك مهتوك ستره ومفضوح أمره. المناضل الحنجوري وكل مناضلي الانقلاب باتوا اليوم أكثر هشاشة من ذي قبل، ولم لا وقد ظهرت عورة سيدهم وانكشف ضعفه، وبان خوفه، وخارت قواه وهو يطلب الحصانة قبل أن يقدم للمحاكمة. ليس منتظرا من صباحي أن يعلق على كلام الجنرال، ولو علق لقال كلاما من عينة نشك في التسريبات، أو من قبيل "هذه حرب على زعيم أنقذ مصر". بالطبع لن يعلق على وصفه بأنه خمورجي، وهذا يذكرني بالنكتة الظريفة التي يتداولها المصريون عن رجل قيل له إن زوجتك ترافق محمود الكهربائي، فقال لهم: "دا لا كهربائي ولا يحزنون دا مجرد صبي ميكانيكي". لن يرد صباحي على إهانته، وسيكتفي بالقول بأن السيسي ليس زعيم انقلاب دموي كما يشاع، بل هو مجرد زعيم انقلاب سلمي ناعم جدا خالص. شكرا لشبكة "رصد" ولكل من سهل مهمتها في معسكر الانقلاب. ولا عزاء للخمورجية.