أكاد أجزم بأنه لا يختلف معى اثنان أننا بحاجة ماسة لضبط إيقاع حياتنا، والنظر إليها من جديد نظرة تقدير واحترام لا نظرة عبث واستهانة. فالحياة أهم وأنفع من أن ننظر إليها على أنها لا قيمة لها. فالغالبية العظمى الآن من الناس تعزف على أوتار نشاذ، حيث لا صوت ولا نغم ولا معنى. وضبط إيقاع الحياة تشترك فيه الحكومة ويشترك فيه الشعب. إيقاع الحياة يسير الآن بين فئتين؛ أحدهما تمتلك كل مقومات الحياة السعيدة الرغدة حيث المال والثروة والجاه والسلطان والسيارات وأحواض السباحة وحمامات الجاكوزى وحدث ولا حرج. إنفاق المال بالنسبة لهذه الفئة كالماء والهواء فمن العادى والمعتاد جدا أن يجلس أحدهم وينفق ألفا أو ألفين من الجنيهات فى أكلة!! أما الفئة الثانية وهى فئة المطحونين والمسحوقين فلا عزاء لهم فى هذا المجتمع. فئة العشرة أفراد فى غرفة، والفرد الذى يعيش على أقل من خمسة جنيهات في اليوم!! هذه الفئة لو أمسك فيها الشخص بالألف جنيه فى يده فأكاد أجزم بأنه سيصاب بالسكتة القلبية على الفور. نحن نعيش مجتمع فئة ال20% التى تمتلك كل شىء وفئة 80% التى لا تمتلك أى شىء وبارك الله فى الرأسمالية ولا عزاء للمسحوقين. نحن نحتاج إلى أن نضبط إيقاع الحياة، فبارك الله لمن يملك المال والجاه والسلطان ما دام ذلك من الحلال ولا غضاضة فى ذلك، لكن من حق المسحوق والمطحون أن يعيش على الأقل ما نسميه بالحياة الكريمة. وأعتقد أن هذا مسئولية الرئيس محمد مرسى والحكومة التى سيأتى بها ومن قبل هذا وذاك مجلس الشعب المنتخب الذى انتخبناه؛ ليقول للمحسن: أحسنت. وللمسىء: أسأت. وليشد بمعاونة الحكومة على كل مفسد بيد من حديد. وهناك أيضاً ما يسمى بالمسئولية المجتمعية التى ينبغى أن يقوم بها كل شخص رزقه الله نعمة المال والرزق الوفير. فتلك المسئولية المجتمعية تلقى بتبعاتها علينا من أجل بناء المستشفيات والمدارس والمرافق العامة حتى نضمن للمواطن الفقير سبل العيش الكريم التى تعتبر أدنى حقوق الإنسان فى العالم. ويحزننى أن أجد فئة ليست بالكبيرة من المتشدقين الذين يملئون القنوات الفضائية للحديث دون كلل عن حقوق الفقراء دون أن نلمس أى تأثير لهم على أرض الواقع. أما بالنسبة للإنسان المصرى فعليه واجب كبير فى ضبط أمور حياته هو أيضا. فلعل الجميع يتفق معى بأن النمط الاستهلاكى فى حياتنا قد ازداد بشكل كبير على مستوى الفرد العادى، فما معنى أن يكون مع الشخص والمواطن العادى خطان موبايل أو ربما ثلاثة وهو ليس من رجال الأعمال ولا أصحاب الشركات الذين ربما يحتاجون إلى هذا الأمر؟ فهذا نمط استهلاكى، وما معنى الإقبال المرعب على المطاعم بصفة عامة وبصفة خاصة مطاعم الوجبات السريعة وإنفاق المال الكبير بها؟ بالإضافة إلى النزعة بأن نبدأ كل شىء فى الحياة ونحن كبار. فقلما تجد شابا يوافق على أن يبدأ من الصفر كما فعل آباؤه وأجداده من قبل. طبعا أنا أعلم أن من حق الشاب أن يبدأ من رقم عشرة وليس من الصفر، ولكن إذا كان هذا هو الواقع فلا بد أن نتعامل معه بواقعيته إلى أن يبدل الله الحال إلى الأفضل. أيضا وهذا نتعلمه من شهر رمضان المبارك: أن الإنسان يستطيع أن يفعل الكثير فى حياته حتى يضبط إيقاعها ويعيش حياة أفضل. فنحن فى رمضان نؤدى أعمالنا المعتادة، ونقبل على الله، ونصلى بالمسجد، ونتلو القرآن، ونتزاور، وتجد هناك حميمية فى التعامل مع الآخرين. فلماذا لا توجد هذه الأشياء فى غير رمضان؟. لماذا توجد العصبية فى التعامل والإهمال فى كل شىء فى غير رمضان ولا نجدها فى رمضان. دعونا نعتاد من خلال رمضان على الاقتصاد فى أمور الحياة، وأن نستغنى عن كثير من الأشياء التى تعتبر من الكماليات التى لا فائدة منها سوى إغراق البيوت فى الديون والأقساط التى تسقط كاهل الأباء. إن كل من يريد أن يُحدث تغييرا حقيقيا فى حياته فهذا رمضان جاءنا ليعلمنا بأن التغيير واقع لا خيالا، وحقيقة لا وهما، وأن الإنسان كما غير عادات النوم والطعام والشراب فهو يستطيع التغلب على أى عادة ذميمة فى حياته ويغيرها إلى الأفضل؛ بشرط توافر النية الصادقة والإرادة الحقيقية، دعونا نعترف بأن رمضان فرصة لمراجعة النفس وضبط أمور حياتنا حتى تتغير مجتمعاتنا إلى الأفضل... وكل عام وأنتم بخير.