الإضراب فالعصيان.. إنه التصعيد الثوري وقد بدأ عده التنازلي في السودان، عجّل بهذا الخيار تعليق المجلس العسكري مفاوضات المرحلة الانتقالية مع قوى الحرية والتغيير. تتحدث تلك القوى المدنية عن مجرد توقف مؤقت للتفاوض، وترى أن الاتفاق المُحرز قبل نحو أسبوعين حول هياكل المرحلة الانتقالية وسلطاتها وصلاحياتها لا يزال قائمًا. وبحسب تقرير بثّته قناة “الجزيرة”، فإن تجمع المهنيين السودانيين يتمسك برئاسة الدورية مع أغلبية مدنية كأدنى سقف تفاوضي بشأن المجلس السيادي المزمع تشكيله، ولأن ذلك متعذر الآن فإن من يفاوضون عن المحتجين والمعتصمين لا يستبعدون الدخول في عصيان مدني في مرحلة ما. قبل ذلك تجدهم يدفعون نحو إضراب عام عن العمل، يومي الثلاثاء والأربعاء، في المؤسسات والشركات الخاصة والعامة والقطاعات الحرفية والمهنية. الإضراب الذي تستعد عشرات النقابات للمشاركة فيه، يريده المتحمسون له ضغطا على العسكري الانتقالي كي يسرع وتيرة نقل السلطة إلى المدنيين، لكن للعسكر أيضًا منطقهم وخياراتهم، حيث لوحوا قبل ذلك بعقد انتخابات مبكرة إذا استمر تباطؤ المفاوضات ثم رفعوا الحظر عن اتحادات نقابية محسوبة على النظام السابق تعارض خطوة الإضراب السياسي. كما هددوا باللجوء إلى خيارات عدة، قال الناطق باسم المجلس العسكري الانتقالي إنها ستراعي مصلحة المواطن السوداني وأمن بلده، والآن ها هو الرجل الثاني في المجلس يحاول ضرب شرعية قوى الحرية والتغيير، فهي في نظر الفريق أول محمد حمدان لجلو، المعروف ب”حميدتي”، لا تمثل كل مكونات الشعب. قبل ذلك بساعات، كان الرجل يشهر في وجه السودانيين كافة أوراق المهددات الأمنية، وحذّر من خطط تحاك ضد أمن السودان وشعبه وتعمل على إثارة الفتنة بين مكونات منظومته الأمنية، إنها إشارة على الأرجح إلى قوات الجيش وقوات الدعم السريع التي يقودها حميدتي نفسه. ينسب نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي تلك الخطة إلى منظمات لم يسمها، يؤكد أنه بدأت بالفعل بتجهيز معسكرات ونزوح للشعب السوداني. تصدُر تلك الكلمات عمن يُنتقد تمدده في إدارة ملفات الدولة، بما في ذلك الأمن والاقتصاد، بل وحتى ملف العلاقات الخارجية. وعلى ذكر الخارج، لا يزال النشاط الإقليمي الأخير لرئيس المجلس العسكري السوداني ونائبه يغذي كثيرًا من الهواجس في السودان. لا يُعرف أي أثر سيتركه تواصل البرهان وحميدتي مع مصر والسعودية والإمارات على المشهد السوداني المشحون بالتوتر، والمقبل على إضراب عام، لكن ثمة من رأى في الخطوة اصطفافًا مبكرًا أو غير مجد مع محور إقليمي بعينه، وهناك من بدا لهم الأمر استقواءً بالخارج لإحكام قبضة العسكر على السلطة بحكم الأمر الواقع، أو على الأقل لتأخير إقامة حكم ديمقراطي مدني في سودان ما بعد البشير.