انتهت عملية التصويت على الترقيعات الدستورية وعقب ذلك تدخل مصر عهدا جديدا يختلف مضمونا وشكلا عن المراحل السابقة، خصوصا تلك التي تلت ثورة 25 يناير فالتغيير الذي سيحدث في مصر أعمق وأوسع بكثير من نطاقه الدستوري والقانوني المباشر فالتداعيات المستقبلية لتلك التداعيات هي الأخطر كونها ستؤدي إلى تهميش العلاقة بين المؤسسات الحاكمة وتضرب مبدأ الفصل بين السلطات في مقتل كما ستجعل الجيش فوق الدولة وتشرعن له الانقلابات العسكرية بعدما منحته دور الضامن لاستمرار النظام السياسي. الخلاصة أن السيسي استطاع من خلال أجهزته الأمنية وأذرعه الإعلامية أخذ اللقطة أمام لجان الاستفتاء ليبقى في الحكم حتى عام 2030. وحاولت الأذرع الإعلامية للسيسي التعامل مع ما أطلق عليها استفتاء الكراتين لكن التناول الإعلامي جاء مرتبكا بين النفي الإعلامي والتبرير والانتقاد لاسيما بعد توثيق توزيع أنصار السيسي كراتين مواد غذائية على الفقراء بعد إجبرهم على المشاركة في الاستفتاء. أما الإعلام الدولي خاصة موقع فويس أوف أمريكا فقد رصد توزيع الرشاوى الانتخابية علانية أمام اللجان وفي متابعتها للاستفتاء قالت وكالة أسوشيتدبرس إن وسائل الإعلام المصرية المؤيدة للحكومة ورجال الأعمال حثوا الجماهير على التصويت بنعم على التعديلات الدستورية التي ستسمح للسيسي بالبقاء في السلطة حتى عام 2030. وذكرت جريدة تايمز أو إسرائيل العبرية أن حكومة الانقلاب تأمل في تحقيق نسبة مشاركة عالية لإضفاء الشرعية على الاستفتاء بيد أن هناك أكثر من 50 شخصية مصرية معارضة بالخارج و22 مؤسسة حقوقية وأهلية طالبت المجتمع الدولي بعدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء على الترقيعات الدستورية. 3 أيام كانت كفيلة بتمرير أكبر جريمة دستورية بحسب وصف قانونيين، لم تقتصر فقط على التمديد للسيسي في الحكم حتى عام 2030 بل شملت عسكرة الدستور بما يسمح لأول مرة في تاريخ مصر بشرعنة الانقلابات العسكرية وجعل القوات المسلحة وصية على الدولة بنص دستوري. وإلى جانب مشهد الرقص المعتاد أمام اللجان وهي الظاهرة التي انتشرت مع الانقلاب العسكري طفت أيضا مشاهد توزيع كراتين السلع التموينية أمام اللجان الانتخابية للتغطية على سوءة الاستفتاء المنبوذ ورغم محاولة الأذرع الإعلامية إلصاق تهمة الكراتين بالإخوان إلا أن ختم حزب مستقبل وطن المؤيد للسيسي وظهور عناصر الأمن في المشهد جعله يحظى عن جدارة بلقب استفتاء أبوكرتونة. انتهاكات الاستفتاء شملت أيضا استغلال الأطفال واستئجار الفتيات والشباب للدعاية على أبواب اللجان مقابل مبالغ مالية وصولا إلى تهديد أجهزة الأمن للعاملين في الجهات الحكومية والخاصة للذهاب قصرا إلى اللجان بهدف رفع نسبة التصويت. ورغم أن المتحدث باسم اللجنة العليا للانتخابات محمود الشريف لم يرى مئات الفيديوهات المتداولة لفضائح توزيع الكراتين إلا أن المجلس القومي لحقوق الإنسان اعترف بتوثيق الانتهاكات التي ترافقت مع تعتيم إعلامي رسمي ومنع الصحف والمواقع المصرية من تغطيتها، إلا أن مشاهد استفتاء أبوكرتونة لم تكن بعيدة أيضا عن تغطية الصحف والمواقع الغربية التي ركزت على تلقي المصريين أموالا من أجل المشاركة في الاستفتاء بحسب موقع فويس أوف أمريكا. إذاعة “دويتش فيلا” الألمانية رصدت إجبار المواطنين على الإدلاء بأصواتهم فيما كان العنوان الذي اختارته صحيفة “تايمز” البريطانية عن استفتاء السيسي الطعام مقابل التصويت.