رغم رصد ملايين المخالفات في مسرحية السيسي الهزلية المسيئة لمصر دوليًّا وإقليميًّا، وتغاضِي الغرب عن تلك الانتهاكات لتسهيل استغلال السيسي والنظام المصري في تحقيق طموحات ومخططات النظام العالمي في المنطقة، عبر الضغط على السيسي بممارساته القمعية، يبقى الأخطر ما تمارسه أجهزة السيسي بنقل صناديق الاقتراع إلى داخل المؤسسات، سواء الخدمية أو العمالية أو الشركات والمصانع، بدعوى التسهيل على المواطنين بالتصويت، في إهدار لمبادئ وقواعد الدساتير والقوانين، التي تتيح للمواطن حرية المشاركة أو الذهاب إلى خيار المقاطعة الذي يخشاه السيسي، والذي تكرر عدة مرات في مسرحياته المفضوحة في 2017 و2018، عندما خرجت صحف العالم لتؤكد أن “محدش راح”، وهو ما عالجته أجهزة الاستخبارات التي تدير المشهد الحالي في مصر بصناديق ديلفري، تجبر المواطن على الوقوف في طوابير طويلة للإدلاء بصوته بغض النظر عن حقه في المقاطعة أو المشاركة. وبجانب ذلك كاميرات مثبتة لتأكيد الاصطفاف في طوابير وتصويره على أنه أمر طبيعي، وبحرية شخصية وإيجابية من جانب المواطنين، كما حدث في العاصمة الإدارية وشركة المقاولون العرب وفي مدينة العلمين الجديدة، وفي مطار القاهرة الذي صُممت لجان داخله لإجبار موظفي شركات الطيران ووزارة الطيران المدني بشركاتها المتعددة على الاصطفاف في طوابير إجبارية، ومن يمتنع عنها يجري وقفه عن العمل أو توقيع جزاءات عليه، ثم يأتي إعلام الانقلاب ليزعم أنها مشاركة إيجابية. كانت ساعات التصويت في استفتاء تعديل الدستور، أمس السبت، قد شهدت إقبالًا ضعيفًا من الناخبين في أغلب المحافظات، الأمر الذي خيّب آمال أنصار عبد الفتاح السيسي، الذين عوّلوا على حشد الناخبين في اليوم الأول للاستفتاء. وعمد هؤلاء إلى ترغيب الناخبين بتوفير وسائل انتقال لنقلهم إلى اللجان، وحثّهم على الذهاب من خلال مكبرات صوت تبث الأغاني الوطنية. الأقباط والنساء وظهرت بوضوح محاولات حشد الأقباط والنساء في مواجهة ضعف الإقبال، ووقف أنصار السيسي على أبواب اللجان الفرعية، في محاولة لإظهار أنّ هناك حالة من الإقبال على التصويت، في حين أعادت القنوات الفضائية الموالية للنظام بث اللقطات التي تظهر رقص بعض المواطنين على أبواب اللجان، سواء في الداخل أو الخارج، وكذلك لأنصار حزب “النور” السلفي، على وجه التحديد، في محافظتي البحيرة والدقهلية، للتركيز على مشهد تراص المنقبات، وهن يحملن لافتات تأييد الدستور. وبدت جلية محاولات حشد النساء للتصويت في المناطق الشعبية بمحافظاتالقاهرةوالجيزةوالقليوبية، خصوصا في المناطق المكتظة بالسكان، مثل منشأة ناصر وبولاق الدكرور وشبرا الخيمة، عبر كراتين رمضانية ورشاوى مالية. وعلى الدرب ذاته، بدت محاولات حشد الأقباط في مناطق شبرا والزيتون ومصر الجديدة وعزبة النخل والمرج في القاهرة، وأيضًا في محافظات الصعيد، مثل المنيا وأسيوط وسوهاج “بتوجيه من الكنائس في تلك المحافظات”، وفقًا لمصدر مطلع في حزب “مستقبل وطن”، والذي أكد أن “الحزب استعان بمجموعات كبيرة من المواطنين في جميع المحافظات، بمبالغ تراوحت بين 150 و200 جنيه للتواجد أمام اللجان العامة، بهدف تشجيع الناخبين على المشاركة في استفتاء تعديل الدستور، فضلا عن تسيير سيارات محملة بمكبرات صوت لمطالبة الأهالي بالنزول، والمشاركة في عملية التصويت دعمًا لمسيرة الوطن”، وفق مزاعمه. فضائح بالجملة وشهدت عملية التصويت العديد من الخروقات على أبواب اللجان، تمثلت في توجيه الناخبين للتصويت ب”نعم” على تعديل الدستور، دون تدخل من القضاة المشرفين، في الوقت الذي استنفر فيه رجال الأعمال وأعضاء برلمان العسكر في المحافظات، خصوصا في محافظاتالجيزةوالفيوم وقنا وجنوب سيناء، لجمع أكبر قدر من المواطنين مقابل هدايا عينية “شنطة رمضان”، أو مبالغ مالية تراوحت بين 50 و100 جنيه. وسبق عملية التصويت مرور عناصر الأمن الوطني على مديريات التموين؛ لإجبارهم على إرسال الموظفين للاستفتاء، وإجبار مكاتب التموين على توزيع “كارت” متسلسل على المستحقين للسلع التموينية، ومطالبتهم بختمه داخل اللجنة الانتخابية المخصصة لهم، ثم تسليمه إلى مكتب التموين بعد الإدلاء بأصواتهم للحصول على “شنطة رمضان” التي تحتوي على “أرز وسكر وزيت وصلصلة طماطم وبلح”. منظمة واحدة وبحسب مراقبين، رفضت الهيئة الوطنية للانتخابات منح تصاريح متابعة عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية للعشرات من منظمات المجتمع المدني التي تقدمت بطلبات مستوفاة الشروط لمتابعة الاستفتاء، مع استثناء منظمة محلية واحدة على سبيل الحصر، هي مؤسسة “ماعت للسلام والتنمية وحقوق الإنسان”، إلى جانب ثلاث منظمات دولية هي “إيكو” من اليونان، و”غالس” من أوغندا، و”متطوعون بلا حدود” من لبنان. وفي الخارج، كشف نشطاء عن الانتهاكات الدستورية والقانونية، وقال أحدهم عبر حسابه على فيس بوك: “كل اللي نزلوا وقالوا لا بيأكدو أن حتى السفارات ماكنتش عاملة حسابها.. ورق الاستفتاء متصور على ماكينة تصوير لا في رقم مسلسل ولا فيه بنود الاستفتاء.. كل حاجة بتقول إن السربعة دي وراها حاجة مخلياهم حتى مش عارفين يطبخوا المشهد كويس”. وقالت نهى نجيد: “فاكر لما قالوا الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا… فيلم الزوجة الثانية أهو نفس المنطق كده… هتفرق يعني أهو كله منه وليه”. تصويت الوافدين لجان المواطنين الذين يوجدون في أماكن بعيدة عن مقارّهم الانتخابية الأصلية، شهدت سيلا من المخالفات، حيث تلقى مسئولو اللجان تعليمات من هيئة الانتخابات بعدم الفصل في اللجان بين الناخبين الأصليين والناخبين الوافدين، بعدما كانت قد قررت سلفا أن يكون تصويت الوافدين في صندوق خاص بهم وتوقيعهم في جدول خاص، غير جدول وصندوق الناخبين الأصليين بكل لجنة. وفتح هذا الأمر الباب لتوافد غزير من العمال والموظفين الذين ينتمون لمحافظات بعيدة عن القاهرة، وخصوصا الفيوم وبني سويف والمنيا وأسيوط والمنوفية، للتصويت في لجان الوافدين في دوائر بقلب العاصمة كالزمالك والدقي والعجوزة، وهي دوائر تتميز بانخفاض الكثافة التصويتية الأصلية. وزعمت المصادر القضائية أنه نظرا للإقبال الكثيف من هؤلاء الوافدين على لجان بعينها، تم تعطيل العمل ببعضها لفترة من الوقت، بسبب رفض القضاة دخول الناخبين للتصويت بشكل جماعي، تحت رقابة أشخاص يبدو أنهم يشرفون على عملية جلب هؤلاء الناخبين للّجان، وغير معروفي الانتماء بالنسبة للقضاة، لكنهم كانوا حاضرين وبصحبتهم وحدات للتصوير التلفزيوني والبثّ الإذاعي. شركات توزيع الكهرباء بجانب تعليمات صدرت لموظفي المرفق بالمنيا، بالانتقال بواسطة حافلات شركات توزيع الكهرباء إلى محافظات أخرى من بينها الفيوموالقاهرةوالجيزة للتصويت باعتبارهم وافدين، على أن يكرروا التصويت في مقارّهم الانتخابية الأصلية في ما بعد، خلال اليومين المتبقيين من فترة الاستفتاء. وقال مصدر في مديرية التربية والتعليم بمحافظة القليوبية، إن حافلات مستأجرة من شركات سياحة بواسطة قيادات حزب مستقبل وطن المدار بواسطة المخابرات العامة، نقلت مئات المعلمين في يوم عطلتهم الأسبوعية (السبت) للتصويت كوافدين بمحافظة القاهرة، على أن يعودوا للتصويت في لجانهم الأصلية فيما بعد. يشار إلى أن قرار دمج أصوات الوافدين مع الناخبين الأصليين، سيجعل من المستحيل عمليًا إيجاد الأصوات المكررة واستبعادها، إذا حدث واكتشف أحد القضاة المشرفين هذا التكرار. وبالتالي سيكون القاضي أمام خيارين؛ أولهما إلغاء الصندوق بالكامل لشكّه في المحتويات، أو تسيير الأمر بمشاكله وشكوك بطلانه. وهكذا تسير عملية الاستفتاء نحو فضيحة مدوية غير مسبوقة في مصر.