تصريحات الدكتور محمد البلتاجي، القيادي بجماعة الإخوان المسلمين وأحد أبرز رموز الثورة المصرية في 25 يناير، أمس الأحد 3 مارس 2019م، خلال جلسان هزلية “التخابر مع حماس”، فجرت مخاوف كثيرة بشأن السياسة الممنهجة من جانب إدارة السجون بوزارة الداخلية في حكومة الانقلاب بشأن منع العلاج والأدوية عن قيادات جماعة الإخوان والقيادات السياسية المعتقلة في سجون النظام. البلتاجي أكد أنه تعرض لجلطة دماغية في يناير الماضي أفقدته القدرة على تحريك إحدى ذراعيه وفقدان الوعي والإدارك، وأنه طالب بعرضه على أطباء متخصصين ونقله إلى المستشفى، لكن إدارة السجن رفضت طلبته وتركته يعاني، وطالب البلتاجي المحكمة التي يرأسها محمد شرين فهمي، أحد قضاة العسكر، بنقله إلى مستشفى قصر العيني لمتابعة حالته الصحية المتدهورة. تصريحات البلتاجي أكدت كذب المصادر الأمنية المجهولة التي سوقت أبواق العسكر تصريحات لها تنفي إصابة البلتاجي بجلطة، بعد أن نشرت السيدة سناء عبدالجواد زوجة البلتاجي بيانا بذلك، في أول مارس الجاري، وتؤكد في الوقت ذاته أن أبواق العسكر تشارك في جريمة التعتيم على الإهمال الطبي الممنهج الذي تتعرض له القيادات المعتقلة في سجون النظام العسكري. وتأتي تصريحات البلتاجي في الوقت الذي يعاني فيه المئات من القيادات المعتقلة من تدهور أوضاعهم الصحية. وبحسب مصادر حقوقية، فإن الهدف من هذه السياسيات الإجرامية هو القضاء على أكبر عدد من قيادات الإخوان داخل السجون بالإهمال الطبي بدلاً من أحكام الإعدام التي تثير انتقادات كبيرة من المنظمات الحقوقية الدولية، وكذلك بعض الحكومات الغربية التي تنتقد النظام الانقلابي في الغرف المغلقة بدلا من إحراجه على الملأ. “2017” الأكبر في الإهمال الطبي وبحسب تقديرات حقوقية فإن حوالي “823” شخصا قتلوا بالإهمال الطبي في سجون الانقلاب، وقال تقرير مشترك لمركز “النديم لمناهضة العنف والتعذيب”، ومركز “المبادرة المصرية للحقوق الشخصية”، بعنوان “يا تعالجوهم يا تفرجوا عنهم.. الإهمال الطبّي في السجون جريمة”، إنّ “عام 2017 شهد النسبة الأكبر من حالات الوفاة في سجون مصر نتيجة تدني مستوى الخدمات الطبّية داخلها، والنقص الحادّ في الأدوية الضرورية داخل مستشفى وعيادة السجن، وصعوبة نقل المحتجزين إلى المستشفيات العامة خارج السجون”. وقد ارتقى 7 معتقلين في سجون العسكر خلال يناير الماضي فقط جراء الإهمال الطبي، وفي 24 سبتمبر 2018، وثّقت “المنظمة العربية لحقوق الإنسان” في بريطانيا وفاة تسعة محتجزين في مقارّ الاحتجاز المصرية، نتيجة التلوث وانعدام النظافة ورداءة التهوية، وتكدّس المحتجزين بصورة غير آدمية؛ ما ضاعف من الآثار السلبية لذلك عليهم، وحوّل هذه المقار إلى بيئة خصبة لانتشار الأمراض والأوبئة، إلى جانب رفض إدارة السجن تقديم أي عناية طبّية للمعتقلين، بالمخالفة للائحة تنظيم السجون. وبيّنت المنظمة أنّ إجمالي المتوفين داخل مقارّ الاحتجاز المصرية بلغ 718 محتجزًا منذ انقلاب الثالث من يوليو 2013، من بينهم 331 محتجزًَا توفوا نتيجة حرمانهم من الرعاية الطبّية المناسبة، محمّلةً نظام الانقلاب “المسئولية الكاملة عن إزهاق أرواح المئات من المحتجزين، من خلال إهداره لحقوقهم الأساسية، المنصوص عليها في الدستور المصري، وكذلك القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء”. أوامر رئاسية وينقل موقع “العربي الجديد” عن مصادر مطلعة بحكومة العسكر أن قطاع السجون لديه تعليمات من وزير الداخلية بحكومة الانقلاب، اللواء محمود توفيق، والذي كان يقود جهاز الأمن الوطني قبل شغله المنصب الحالي، بعدم الاستجابة نهائيًا لمطالب أي من قيادات جماعة “الإخوان”، الذين يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة، بالعلاج داخل مستشفى السجن أو على نفقتهم الخاصة في مستشفيات خارجه، علاوة على منع إدخال الأدوية لهم من خلال ذويهم. ولتفسير هذه الجريمة تؤكد هذه المصادر أنّ الانتهاكات التي يتعرّض لها قيادات “الإخوان” داخل السجون متكررة ومستمرة، وتستند إلى تعليمات “رئاسية” بدرجة أعلى، وتهدف إلى وفاة أكبر عدد من هؤلاء القادة داخل السجون، وعلى رأسهم الرئيس محمد مرسي، وبذلك يتجنّب النظام الانقلابي مهاجمته من الخارج في حال تنفيذ حكم الإعدام بحق هؤلاء. وتؤكد أن الهدف الرئيس من وراء سياسة الإهمال الطبي الممنهج هو تصفية قيادات الجماعة داخل مقار الاحتجاز، عوضًا عن إثارة الرأي العام في الخارج باستصدار أحكام قضائية بإعدامها، على غرار ما حدث مع المئات من أعضاء الجماعة خلال الآونة الأخيرة. ومن أبرز القيادات التي قتلت بالإهمال الطبي المرشد السابق للجماعة محمد مهدي عاكف الذي قتل في سبتمبر 2017م، والدكتور عبدالعظيم الشرقاوي عضو مكتب الإرشاد والذي قتل في أغسطس 2017م، والشيخ عصام دربالة القيادي الكبير بالجماعة الإسلامية، كما قتل بالإهمال الطبي نواب ببرلمان الثورة، منهم الدكتور فريد إسماعيل، ومحمد الفلاحجي، وأستاذ الأمراض الجلدية بكلية الطب في جامعة عين شمس، طارق الغندور، الذي تعرّض لنزيف حاد داخل محبسه لثماني ساعات بلا مغيث، حسب رواية شقيقه أسعد الغندور. وإلى جانب الدكتور البلتاجي فإن الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح والصحفي هشام جعفر والسفير معصوم مرزوق والمستشار هشام جنينة يعانون جميعا من تدهور الوضع الصحي في ظل الإهمال الطبي من جانب سلطات الانقلاب.