يعيد التاريخ نفسه من جديد فالمأساه التي تعيشها كرداسة حاليا بقيام ميليشيات شرطة وجيش الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، ليست هى الاولى التي تتعرض لها، بل شهدت المدينة التابعة لمحافظة الجيزة مأساه مماثلة خلال حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر حينما أطلق يد السفاح شمس بدران ليقتل أبناءها تحت نفس الحجج الواهية. بدأت مأساة كرداسة الأولى، عام 1965 حينما أطلقت الشرطة العسكرية يدها في الشعب المصري وكان شمس بدران ورجاله يجمعون في أيديهم كل السلطات طبعا في ظل الطاغية الأكبر جمال عبد الناصر وبعلمه ورضاه بل وتوجيهاته ولا يقبل عقل أي إنسان أن شمس بدران كان أقوى من جمال عبد الناصر، كان أحد رجاله المخلصين لجمال عبد الناصر . وبدأ تنفيذ المؤامرة المبيتة لسحق الإخوان المسلمين وكان ذلك بمثابة الضوء الأخضر للبدء في المجزرة الهمجية البربرية التي أقيمت ليس فقط للإخوان بل لكل من يقف في وجه الطغاة. وكان السيد نزيلي أحد أبناء قري تابعة لكرداسة وعضو في الإخوان المسلمين وذهب رجال الشرطة العسكرية للقبض عليه وعندما وصلوا إلى منزل السيد نزيلي للقبض عليه فلم يجدوه ، ووجدوا أخاه عبد الحميد نزيلي والذي يروي ما حدث. يقول عبد الحميد : " كان ذلك عند غروب الشمس يوم 21 أغسطس سنة 1965 وكنت واقفا أمام منزلنا . . وإذا بثمانية رجال مفتولي العضلات مفتوحي الصدور يلبسون قمصانا على اللحم ! ! . . وبنطلونات ضيقة دخلوا حارتنا ووقفوا أمامي وسألوني عن أخي السيد نزيلي الأخصائي الاجتماعي . . قلت لهم : " تفضلوا . . أنا أخوه " . وأضاف عبد الحميد قائلاً : "فتحت لهم الباب وأجلستهم في حجرة الضيوف وعملت لهم شايا ثم قلت لهم :_ " إن أخي في القاهرة . . ولكنه لن يتأخر كثيرا وسوف يحضر بعد قليل " . فجأة وجدت أثنين منهم وقفا على باب البيت واثنين آخرين اقتحما المنزل وصعدا إلى الدور الثاني حيث زوجة أخي " العروس " التي لم يمض على زفافها إلا تسعة أيام . . فوقفت دهشا وقلقا وقلت لهم : من أنتم ؟ وماذا تريدون ؟ فتقدم مني أحدهم شاهرا مسدسه ووضعه في بطني وهددني قائلا : إذا تكلمت سأفرغ المسدس في بطنك ! !" . وأضاف عبد الحميد قائلاً : "فجأة وجدت نفسي ملقى على الأرض . . وقفت بسرعة وجريت إلى صالة البيت . . فلحق بي اثنان منهم شلا حركتي وجراني إلى الخارج فأخذت أصيح : " أنتم لصوص . . ماذا تريدون مني ؟ ! وزاد صراخي . . فخرج الناس من البيوت يستطلعون الخبر . . ازدحم الناس من حولي يسألون في دهشة ولا جواب إلا صراخي : حرامية حرامية ! وبدءوا يسيرون في شارع وسط البلد وتقدم بعض شباب القرية ليخلصوني من أيديهم فأخرج واحد من الرجال الثمانية مسدسه وأطلق الرصاص في الهواء للإرهاب . . واستمروا يجرونني على الأرض والناس يخرجون من بيوتهم وطلقات الرصاص تتوالى . . وعلى بعد أمتار من ورائي كانت زوجة أخي " العروس " يجرونها هي أيضا وصرخات استغاثتها تتوالى . . لقد ظننت في أول الأمر أنهم جاءوا لخطف زوجة أخي . . وحتى هذه اللحظة لا أعرف أنهم من رجال الشرطة العسكرية لأنهم كانوا يرتدون الملابس المدنية ولم يأت معهم خفير من عند العمدة ولا عسكري بوليس من النقطة كما أنهم لم يذهبوا بنا إلى دوار العمدة ولا إلى نقطة الشرطة وإنما اتجهوا بنا ناحية أخرى كانت تنتظر فيها السيارات " . فقد كان النظام الناصري قد قرر توجيه ضربة ثانية سنة 1965 للإخوان لاستئصال شأفتهم حتى لو لم يكن هناك تنظيم . . لقد قال بعض الذين كانوا يشاركون عبد الناصر السلطة في يوم من الأيام أن عملية ضرب الإخوان المسلمين سنة 1965 كانت تغطية للفشل الذي أحاق بعبد الناصر في حرب اليمن وهناك قول آخر أن مذبحة الإخوان سنة 1965 كانت استجابة لطلب السوفييت الذين كانوا تغلغلوا في نظام الحكم وأصبحت لهم سيطرة على مجريات الأمور تماما كما كانت محنة سنة 1954 استجابة لطلب أمريكا التي جعلت تصفية جماعة الإخوان المسلمين أحد المهام التي حملت تبعاتها جمال عبد الناصر . وكان قد ذهب رجال الشرطة العسكرية ليقبضوا على إخوان قرية كرداسة وكان السيد نزيلي من بينهم فبدئوا بالقبض عليه . . فلما ذهبوا ولم يجدوه بالمنزل أخذوا أخاه وزوجته رهائن . . وكانت تلك بداية المأساة . ويكمل عبد الحميد نزيلي قصة المأساة فيقول : " أيقن أهل القرية أننا مخطوفون أناوعروسة أخي القاهرية . . فتقدم بعض شباب القرية ليخلصونا من أيديهم ..فحدث اشتباك مع الرجال الخاطفين . . فتكاثر الأهالي على الرجال الثمانية. . واشتركت النساء والأطفال بضربهم بالطوب والحجارة . . فهرب سبعة من الرجال الخاطفين وأصيب الثامن وأغمى عليه وتجمع الناس من حوله . تركت زوجة أخي تعود إلى المنزل وذهبت إلى نقطة شرطة القرية وعملت محضرا قلت فيه : " أن ثمانية رجال هاجموا منزلنا وأرادوا خطف عروسة أخي وخطفي وأطلقوا النار للإرهاب واستطاع الأهالي أن يخلصونا من أيديهم وعندا سمع الشاويش النوبتجي من هذا الكلام طلب من العساكر الإسراع للقبض على الخاطفين فقلت له : إن واحدا منهم أصابته ضربة من أحد الأهالي ووقع على الأرض متأثرا بجراحه أسرع الشاويش النوبتجي إلى المكان فوجد الرجل مغمى عليه والناس من حوله يتحدثون عن قصة الخطف .. انحنى الشاويش على الرجل المصاب وفتش جيوبه فأخرج من أحدهما بطاقته الشخصية فقرأها وقال لأهالي القرية : خربت يا كرداسة .. مصيبة وحلت عليكم يا أهل كرداسة إن هؤلاء الرجال ليسوا لصوصا أنهم من رجال الشرطة العسكرية !! . وأضاف عبد الحميد قائلاً : " ولم ينم الناس ليلتهم . . وكانوا يتسمعون من خلف الأبواب المغلقة ويرون من على أسطح المنازل الدبابات . . والمصفحات وهي تزمجر في شوارع القرية وحاراتها . . وحلقت الطائرات في سماء القرية ووصل إلى القرية وزير الداخلية وقتئذ عبد العظيم فهمي. . والفريق علي جمال الدين رئيس غرفة عمليات الجيش . . وشمس بدران ومحافظ الجيزة ومدير الأمن ومأمور المركز ". وحوصرت القرية من جميع الجهات وانتشرت المصفحات والدبابات والسيارات في شوارع القرية ودروبها وبدأت الأوامر تذاع من خلال مكبرات الصوت بفرض حظر التجول وسمع الأهالي أصوات الوعيد والتهديد لكل من يخالف الأوامر . . وأحسوا بالهول وقبعوا خلف الأبواب المغلقة ينتظرون ماذا سيأتي به الصباح . وبدأت عمليات القبض على عمدة القرية ومشايخ القرية والخفراء وشيخ الخفراء وجميع عائلة العمدة وهي من أكبر عائلات القرية .. ربطوهم جميعا بحبال وساقوهم كالبهائم .. النساء في قمصان النوم نصف عرايا يولولن والأطفال يصرخون والرجال في ذهول يجللهم الذل والعار .. اتجهوا بالجميع إلى نقطة القرية وانهال الزبانية عليهم " بالكرابيج " والعصي بلا رحمة وبلا اعتبار لأي قيمة إنسانية . . مزقوا ثياب الرجال وتركوهم عرايا كما ولدتهم أمهاتهم أمام الزوجات والأطفال ! ! " .