مرة أخرى يطل هيكل برأسه على المسرح السياسي، هذه المرة يبدو فيها كواعظ عجوز يريد أن ينهي حياته بفعل الخيرات وتقريب المسافات والتسليم الكامل لقادة الانقلابات، حتى يأتي يوم يقول فيه قولته: "مش قلت لكم.. أنا حذرتكم"!. دعوة هيكل لرموز الإخوان وحزب "الحرية والعدالة" للقائه لا يمكن تفسيرها إلا أنها محاولة ماكرة للالتفاف على الإرادة الشعبية التي ارتفع سقف مطالبها، على الرغم من الحملة الأمنية الأسوأ في تاريخ مصر قديما وحديثا. قد تسألني: ولماذا تصادر على المطلوب؟ فلعل الرجل يحمل مبادرة ما من الانقلابيين!. وأقول لك وببساطة: إن كما هائلا من المبادرات والأفكار مطروح منذ زيارة أشتون وحتى زيارة وفد الاتحاد الأفريقي، لكن الانقلابيين لا يريدون حوارا، بل انصياعا لن يجدوه، وتسليما بالأمر الواقع ولن يحصلوا عليه، ببساطة لأن من يريد الحوار عليه أن يتخلى عن السلاح والقبضة الأمنية والإرهاب القضائي المتمثل بورقة الضبط والإحضار لكل من يقول لا للانقلاب. الانقلابيون يريدون التقاط الأنفاس بعد أن أخرجوا كل ما في جعبتهم من قتل وسحل وسجن وإرهاب وطائرات ودبابات، وكأنهم يواجهون عدو البلاد، وللأسف فإنهم وحسب الأخبار المتواترة ينسقون مع العدو في سيناء. قدمنا أفكارا للخروج من المأزق، وطرح كثير من المفكرين السياسيين مبادرات متكاملة، فاستنكر الانقلابيون الأمر، ولكنهم اليوم يدفعون بهيكل إلى واجهة المسرح عله يستطيع إقناع الشعب بالتسليم بالأمر الواقع والاعتراف بالانقلاب كسبيل للخروج من المأزق. كنت أتمنى لو أن هيكل بعد كل خبرات السنين قد خرج ليقول للانقلابيين: " كفى، هذا وقت التوقف"، وهذه ساعة الحقيقة، فالشعب ينتفض ضدكم ولا سبيل للخروج إلا بخروجكم من المشهد وإعادة الأمر إلى الشعب بالصيغة التي يرتضيها الشعب. كنت أتمنى لو أن هيكل الخبير نصح الجيش بأن وجوده في الشوارع والأزقة والقرى والنجوع هو إهدار لمقدرات مصر التي يزعمون أنهم يحبونها، وأن سمعة مصر حول العالم ليست أفضل من سمعة موزمبيق. كنت أتمنى لو قال هيكل للسيسي إن مصر تسير في الاتجاه الخاطئ وتعود بخطى سريعة نحو الوراء إلى عصر مبارك الأمني، وهذا يعني أن ثورة جديدة تتبلور في الشارع وعليك (يا سيسي) أن تدرك أن ثورة رابعة الحالية لن تتوقف عند أحد، وأن سقف مطالبها أعلى بكثير مما كانت عليه ثورة 25 يناير العظيمة. كنت أتمنى لو أن هيكل قال للوفد الذي زاره أنه يقدر تقديرا كبيرا ثورة الشعب الحالية وانتفاضته وصموده رغم الاعتقالات، وأنه يرى أن الخروج من المأزق ليس الاعتراف بانقلاب 3 يوليو الذي لم يعد يعترف به أحد حتى ابنتي الصغيرة "زينة" ذات التسعة أعوام، ولكن بالاعتراف بأن الوضع على الأرض ليس في صالح الانقلاب؛ لأنه ليس معقولا أن يقف السيسي ضد شعب مصر المالك الحقيقي والوحيد للقوات المسلحة التي يواجه بها شعبه. صحيح أن فتح نوافذ للحوار أمر مشجع، ولكن ماذا عن قنوات الاعتقال التي لم تغلق حتى بينما كان هيكل يجتمع مع الوفد؟ هل هذه هي طريقة كيسنجر، اضرب وفاوض؟ أعرف أن الوضع سيئ ويسوء يوما بعد يوم في وجه الانقلابيين، ولكن الحقيقة التي ستبقى أن هيكل لا يعمل لصالح الشعب ولا يفهم لغته رغم عمره الطويل، وبالتالي فسوف يصعب عليه فك شفرة ثورة رابعة.