ببساطة شديدة، حين لا يجد المواطن نفسه في بلده، بين ناسه وأهله ويشعر بالغربة الكاملة حتى وهو تحت سقف بيته. انظر ما يحدث الآن، واسأل نفسك سواء كنت إسلاميا أو ليبراليا أو اشتراكيا أو حتى شيوعيا: هل تشعر بالغربة وأنت تمشي في الطريق؟ هل تشعر بالغربة وأنت تمر على كمين وساعتها تتسارع دقات قلبك وتتمتم بأدعية وأمنيات أن يمر الكمين بسلام؟ هل أنت مطمئن لتمديد حالة الطوارئ رغم تصريحات الانقلابيين بأن مصر في أمان ولا داعي للقلق؟ هل أنت سعيد بانهيار الاقتصاد وتراجع السياحة وارتفاع الأسعار؟ هل هذه حكومة قادرة على بناء مصر حقا؟ إذا سرقت سيارتك هل تستطيع أن تذهب إلى قسم الشرطة لتبلغ عنها؟ أقول لك ما حدث مع رجل أعرفه، سُرقت سيارته فلما تجرأ وذهب لقسم الشرطة قال له الضابط: اذكر في المحضر أن الإخوان سرقوها وأنا أعمل لك المحضر؟ هل تشعر بالثقة وأنت تقرأ أو تسمع بيانات حكومة الانقلاب؟ أم تشعر بأن وطنك الذي نشأت فيه بات غريبا من فرط الأكاذيب التي تمر أمام عينيك على شريط الأخبار في القنوات المصرية؟ بالله عليك، هل أنت مطمئن وأنت ترى سفينة الوطن يقودها هواة ليس لهم من تاريخ في الإدارة ولا السياسة؟ هل أنت مطمئن ومحمد أبو الغار يقول: إننا فشلنا في تسويق الانقلاب، وأن دول العالم لا تعترف بأن ما حدث ثورة؟ نفس الاعتراف قاله عمرو موسى وإن بطريقة أخرى. إذا كنت تشعر بأنك تائه؟ وتحس بأنك غريب؟ وبأن الوطن على شفا جرف هار؟ وأنك مضطهد لسبب أو لآخر وأنك مستهدف في سويداء قلبك كما صرح مساعد وزير الداخلية أمام الضباط في الفيوم على ما أذكر، هل جاءك خاطر بأن بلاد الله واسعة مثل كثيرين؟ إذا كان كل ذلك يحدث في بلادي وأنت تشعر به وتحس، فماذا عن الذين لا يشعرون بنفس مشاعرك؟ هل لا زلت تأمنهم على قيادة الوطن؟ الإجابة الطبيعية هي لا. إذن ما هو المطلوب؟ المطلوب هو أن نستمر في نضالنا السياسي السلمي حتى يشعر هؤلاء بأن الوطن ليس ملكا لهم، ويشعرون أيضا بأنهم ليسوا أهلا للحكم، هكذا ببساطة. المداهنة والكلام المائع والمنطقة الرمادية لن تغير من واقع الحال، لذا فإن النداءات المخلصة لهؤلاء من أجل ترك الأمر للشعب لكي يدير نفسه ويشعر بأنه ملك متوج على أرضه لا تتحكم فيه بندقية ولا ترهبه قوانين استثنائية جعلت من كل معارض هدفا للاغتيال او القتل. وقد تقول: وماذا عن الحلول السياسية؟ أقول لك مرة أخرى: إن الحلول السياسية تعني إعادة الأمر لصاحب الأمر والكلمة الأخيرة، وهو الشعب، وهو من يقرر وحده من يحكم ومن يكون في المعارضة. الشعب وحده هو من يقرر، فإن أراد الإسلاميين رغم الضجة التي أثيرت ضدهم فهذا الشعب يتحمل وحده مسئولية اختياره، لا أحد ينوب عنه ولا يكون وصيا عليه. لا أحد في أية مؤسسة من مؤسسات الدولة يجب أن ينصب نفسه حاميا لإرادة الشعب لأنه قادر بصوته وبقوة ارادته على الاختيار والمحاسبة. الشعب قادر على أن يدني من يشاء ويقصي من يريد، لا أنا ولا أنت. إلى الذين يعتقدون بأن شعب مصر عظيم وقائد ومعلم، اسألهم: لماذا تتغولون على سلطته، وتنتقصون من إرادته وتدعون أنكم أوصياء عليه؟ اتركوا الشعب وخياراته، وأخرجوا الدبابات وأجهزة الأمن من ملعب السياسة؛ لأن الجمهور الذي رفض الانقلاب لن تفتر عزيمته ولن تنحني إرادته مهما طال الزمن أو مر الوقت. الوقت ليس في صالحكم، بل ضدكم، وانظروا ماذا فعلتم بمصر على مدار شهرين ونصف منذ الانقلاب وحتى الآن؟ لو كان الشعب معكم فلماذا لم نر لكم أية بشارة؟ ولم نسمع منكم غير صوت القنابل وطلقات الرصاص في مواجهة متظاهرين عزل لا يملكون سوى الهتاف؟ وإشارة رابعة العدوية أصبحت تهمة يحاكم عليها حتى الأطفال والنساء! هل أصبحت إشارة رابعة تزعجكم إلى هذا الحد؟ إن كان كذلك فاعلموا أن الشعب معه كل الحق في أن يثور عليكم.