نشرت جريدة صوت الأزهر مقالًا للدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر وأحد أضلع الانقلاب العسكري، تناول فيه الرد على إلحاح السفيه السيسي والزنّ الإعلامي المتواصل بما يسمى ب”تجديد الخطاب الديني”، وألمح الطيب إلى استحالة أن يقوم بذلك التجديد المزعوم تيارات فكرية غير مؤهلة إلا أنها تجيد التطبيل، وشدد على عدم صلاحية أذرع العسكر من عمائم ودعاة لهذه المهمة، وأن التجديد الذي يصر عليه العسكر يجب أن يكون مؤسسيًّا لا فرديًّا، ولن يكون “سمك لبن تمر هندي” كما يريده العلمانيون وإخوانهم أذناب العسكر. تبدو مواقف الطيب غامضة على التفسير الطبيعي في المشاهد المتعاقبة، فالطيب الذي وقف خلف السفيه السيسي في الانقلاب العسكري، هو ذاته الذي اعتزل في قريته حين مذبحة الفض، والطيب الذي يُخاطب السفيه السيسي واصفًا إياه “بفخامة رئيس الجمهورية”، هو من يُعاتبه السفيه السيسي على الملأ قائلا: “تعبتني يا فضيلة الإمام”، والطيب الذي يتلقى دعمًا سخيًّا ومستمرًا من الإمارات، هو الصوفي الزاهد في الدنيا ومتاعها! فكيف يفكر شيخ الأزهر؟ وأين يقف في كل موقف يستجد؟! وهل يقف مع السيسي في كل كبيرة وصغيرة أم أنه يتبع ما يُمليه عليه ضميره وحسب؟! أم أن هناك أبعادًا متشابكة كوّنت مواقف الطيب ورؤيته؟. وربما كان لدى الطيب بقية من ضمير ومروءة ودين، جعلته يحذر في مقاله من الانبطاح أكثر للغرب، وهو ما يقوم به السفيه السيسي الذي دعم انقلابه شيخ الأزهر في 3 يوليو 2013، ضد الرئيس محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب للبلاد، وطالب في مقاله بتحديد علاقتنا مع الغرب، وهو كمن يؤذن في مالطا؛ لأن الغرب لن يسمح له ولا للأزهر الذي يمثله إلا بهامش بسيط جدا من الحراك، ربما يتسع لكتابة مقالة في مجلة، لكن أن يحدد سقف وخطوط العلاقة مع الغرب الذي بات يستعمر مصر فهذا أمر بعيد المنال، يعلم الطيب نفسه أنه بات مستحيلًا في وجود السفيه السيسي. وكان “الطيب” الذي انسلخ مؤخرًا من كيان اتحاد علماء المسلمين، الذي يرأسه الدكتور يوسف القرضاوي، بعد أوامر مباشرة من الإمارات التي أجزلت له العطاء وملأت جيوب قفطانه وجبته بالأرز الأخضر الأمريكي، حذر في مقاله من الاختلاف بين الأمة، بأن لا يتحول إلى ساحة للصراع، تجعل الطريق خاليا أمام فرسان أجانب يسحقون الجميع، فهل ما يقوم به السفيه السيسي الآن من أخذ شعب مصر رهينة إلا توطئة لهذا السحق القادم لا محالة؟. أنت السبب! تعجب مولانا “الطيب”- ونحن نشاركه هذا التعجب- من الأقلام التي تبث سمومها في صحف ومواقع إخبارية تديرها المخابرات الحربية، وعلى فضائيات وبرامج تستقطع رواتبها بالملايين من أرزاق الشعب عمدًا، تلك الأقلام والبرامج والصحف والمواقع التي تهاجم الإسلام وتحقر من شأن الشرع، إلا أن الطيب وقف موقف العتاب فقط، وذلك هو الخط الأحمر المرسوم له بدقة من العسكر حتى لا يتخطاه، فلا يستطيع مثلا أن يذكر أحدا باسمه صريحًا، مثل إبراهيم عيسى الذي كتب قصة فيلم سينمائي مؤخرا باسم “الضيف”، يطعن طعنًا صريحًا في نصوص الشريعة ويغالط القرآن. لم يطالب الطيب بمحاكمة المذيعين والبرامج التي تأتي بشباب مغمورين ويدفعون له، مقابل أن يخرج ويزعم أنه ملحد أو يدعي الربوبية على الهواء، أو للبرامج التي تطعن في الإسلام بناء على آراء فقهية قديمة في بطون الكتب ثبت عوارها ولم يلتفت لها أحد ولا تدرس في الجامعات، وقال الطيب: “وإني لأتساءل: في أي قطر من أقطار العالم العربي والإسلامي أجد مثالاً واحدًا للزواج من طفلة صغيرة لم تبلغ الحلم؟!”. مضيفا: “وأين توجد هذه الظاهرة التي يستعر حولها النقاش والحوار؟! ومنذ متى كان المسلمون يزوجون الطفلة الصغيرة ويقيمون لها الأفراح ويزفونها إلى زوجها الكبير أو الشاب؟!. وفى أي كتاب من كتب تاريخ المسلمين أقرأ هذا التهويل، ومعركة حد الردة التي تبعث من بطون الكتب للتهجم على التراث؟”. وتابع الطيب، في مقاله الذي لم ولن يلتفت إليه السفيه السيسي ولن يقرؤه بالطبع، قائلاً: “ألم يشاهد هؤلاء المتهجمون البرامج الفضائية التي يظهر فيها شباب ملحدون، يتباهون بإلحادهم، ويجادلون ما شاء لهم الجدل والحوار ويكاثرون بجمعياتهم وأعدادهم؟!”. بعد خرابها! ولن يستطيع “الطيب” بالطبع وهو يعلم ذلك جيدا أن يتقدم إلى أي محكمة بدعوى ضد مذيع أو برنامج، وذلك لأن المحاكم يديرها عسكر وقضاة فاسدون، والمذيعون أغلبهم نواب في برلمان الدم أو من جهة مخابراتية، أما هو نفسه فدوره الذي تحدد بعد انقلاب 3 يوليو أو حتى منذ وجوده في لجنة سياسات الحزب الوطني المنحل، هو دور شرفي كهنوتي بروتوكولي لا يتعدى ما يقوم به القساوسة في الكنائس، من التعميد وتلقي الاعتراف من التائبين!. ولذلك تساءل “الطيب” وكأنه يعتذر في نفس الوقت عن السؤال بالقول: “من هؤلاء الملحدين أقيم عليه حد الردة أو مسه أحد بسوء، وأنا شخصيا تحدثت في حلقات عدة عن الإلحاد والملحدين، هل صدرت كلمة واحدة تطالب بتطبيق حد الردة على هؤلاء؟!”، وذلك بعدما أفتاهم سفيههم السيسي في جمع من المشايخ كان الطيب واحدا منهم أن “الشباب المصري من حقه يلحد بسبب داعش والإسلام بيسمح بالإلحاد”. يقول المؤرخون إنه عندما تم الفتح الإسلامي لجزيرة مالطا عام 1902 لم يجبروا أحدا على الدخول في الدين الإسلامي، فكان يرفع بها الأذان ولا يستجيب أحد للصلاة لديانتهم بالدين المسيحي، فأصبح هذا المثل يطلق على كل من يتكلم مثلا ولا يعيره الناس اهتمامًا، أو تكون محاولاته للإصلاح لا فائدة منها أو أن الإصلاح جاء متأخرا، فهل يؤذن الطيب في مالطا؟