اتفاق بين مصر وألمانيا لتمويل البرنامج الوطني للمخلفات الصلبة ب80 مليون يورو    موعد ورابط الاستعلام عن نتيجة الصف السادس الابتدائي بالقاهرة والجيزة    وزير الدفاع يشهد تنفيذ مشروع تكتيكي بالذخيرة الحية لإحدى وحدات الجيش الثاني    20 جنيها تراجعًا في أسعار الذهب اليوم الخميس 23-5-2024    بالأرقام، موازنة الهيئة المصرية العامة للبترول    البورصة تصعد مع منتصف تعاملات اليوم الخميس    بنمو 173%.. aiBANK يحقق 475 مليون جنيه صافي ربح خلال 3 أشهر    بعد مناورات الصين.. تايوان تضع وحداتها الصاروخية وطائراتها في حالة تأهب    رويترز: العدل الدولية ستصدر قرارها بوقف إطلاق النار في غزة غدًا    مراسم تشييع استمرت يومين.. جثمان الرئيس الإيراني يوارى الثرى بمشهد    العدل الدولية تصدر حكمها غدا بشأن تدابير الطوارئ والإبادة الجماعية بغزة    أستاذ إعلام: الأخبار التي تعتمد على «مصادر مطلعة» غير صحيحة    موعد مباراة اتحاد جدة وضمك بالدوري السعودي    "بسبب مغادرة 5 محترفين".. خطاب عاجل من الزمالك لاتحاد الكرة لتأجيل هذه مباراة    "عملتها بعفوية".. أحمد سليمان يوضح سبب اللقطة المثيرة في نهائي الكونفدرالية    نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 في المنيا    الجثمان ظهر فجرا.. أهالي القناطرين بالمنوفية يستعدون لتشييع الطفلة وفاء ضحية معدية أبو غالب    النسايب وقعوا في بعض.. إصابة شخصين في مشاجرة بسوهاج    تهشمت سيارتها.. مي سليم تنجو من حادث مروع    تعرف على إيرادات فيلم "عالماشي" بعد 6 أسابيع من طرحه بالسينمات    مسلسل دواعي السفر يتصدر قائمة الأعلى مشاهدة على منصة WATCH IT    رجل متزوج يحب سيدة آخري متزوجة.. وأمين الفتوى ينصح    مصرع شخص وإصابة آخر إثر تصادم سيارتين بسوهاج    أخبار الأهلي: حقيقة مفاوضات الأهلي مع حارس مرمي جديد    محمود محيي الدين: تراجع معدلات النمو الاقتصادي العالمي أكثر من 3.4%    رئيس جامعة المنيا يفتتح مهرجان حصاد «نوعية» في نسخته الأولى    فيديو المجندات المحتجزات لدى الفصائل في غزة يحرج نتنياهو.. لماذا أُعيد نشره؟    وفد المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض يزور مستشفى شرم الشيخ    «الصحة»: المرأة الحامل أكثر عرضة للإصابة بفيروس نقص المناعة البشري HIV    إصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة واحتراقها بطريق أسيوط الغربي    بدء نظر طعن المتهمين على أحكام قضية ولاية السودان بعد قليل    رئيس مياه سوهاج يتفقد مشروعات الصرف الصحى بمركز طما بقيمة 188 مليون    تشابي ألونسو: لم نكن في يومنا ولدينا فرصة للفوز بكأس ألمانيا    الرعاية الصحية تعلن نجاح اعتماد مستشفيى طابا وسانت كاترين بجنوب سيناء    نوادي المسرح معمل التأسيس، في العدد الجديد من «مسرحنا»    ل برج الجوزاء والميزان والدلو.. مفارقة كوكبية تؤثر على حظ الأبراج الهوائية في هذا التوقيت    أول تعليق من دانا حمدان على حادث شقيقتها مي سليم.. ماذا قالت؟    الجريدة الرسمية تنشر قرارين جمهوريين للرئيس السيسي (تفاصيل)    فضل الأعمال التي تعادل ثواب الحج والعمرة في الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 23-5-2024    سويلم يلتقي وزير المياه السنغالي لبحث تعزيز التعاون بين البلدين    موسم الحج.. إجراءات عاجلة من السعودية بشأن تأشيرات الزيارة بداية من اليوم    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الخميس    "علق نفسه في سقف الأوضة".. نزيل بفندق شعبي ينهي حياته في الأقصر    طلاب الشهادة الإعدادية بكفر الشيخ يؤدون آخر أيام الامتحانات اليوم    رحيل نجم الزمالك عن الفريق: يتقاضى 900 ألف دولار سنويا    نشرة «المصري اليوم» الصباحية..قلق في الأهلي بسبب إصابة نجم الفريق قبل مواجهة الترجي.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم قبل ساعات من اجتماع البنك المركزي.. الأرصاد تحذر من طقس اليوم الخميس 23 مايو 2024    اللعب للزمالك.. تريزيجيه يحسم الجدل: لن ألعب في مصر إلا للأهلي (فيديو)    سر اللعنة في المقبرة.. أبرز أحداث الحلقة الأخيرة من مسلسل "البيت بيتي 2"    هل يجوز للرجل أداء الحج عن أخته المريضة؟.. «الإفتاء» تجيب    رئيس الزمالك: جوميز مدرب عنيد لا يسمع لأحد    عماد الدين حسين: تقرير «CNN» تعمد الإساءة والتضليل حول موقف مصر من المفاوضات    تسجيل ثاني حالة إصابة بأنفلونزا الطيور بين البشر في الولايات المتحدة    ماهي مناسك الحج في يوم النحر؟    البابا تواضروس يستقبل مسؤول دائرة بالڤاتيكان    ماذا حدث؟.. شوبير يشن هجومًا حادًا على اتحاد الكرة لهذا السبب    حظك اليوم| برج الحمل الخميس 23 مايو.. «طاقة كبيرة وحيوية تتمتع بها»    البطريرك مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان يلتقي الكهنة والراهبات من الكنيسة السريانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وبحسب شيخ الأزهر، فإن طواحين الهواء التي تستهلك جهدنا وطاقتنا ويسهر لها الناس أخيلة وأوهامٌ وحربٌ كلامية معركة حد الردَّة تبعث من بطون الكتب للتهجُّم على التُّراث.
نشر في المسائية يوم 22 - 04 - 2015

تنشر نص كلمته..الإمام الأكبر: إلغاء الخطاب الديني يعني تحويل الأزهر إلى متحف تاريخ
قال الدكتور أحمد الطيب الإمام الأكبر شيخ الأزهر: إن تجديد الفكر الديني يزداد غموضًا والتباسًا من كثرة ما تناولته وسائل الإعلام بغير إعداد علمي كافٍ لبيان مفهوم التجديد.
وتابع خلال كلمته بالندوة التحضيرية لمؤتمر "تجديد الفكر والعلوم الإسلامية" مشددا علي أن بعض الأصوات التي تنادي بإلغاء الخطاب الديني أو اعتباره جزءا من الأزمة تحمل في طياتها تحويل مؤسسة الأزهر إلى متحف من متاحف التاريخ.
وتابع قائلا: إن ماكينة التكفير والإقصاء والجدل الكريه لم تترك للعلماء فرصة للانكباب على ترسيخ ثقافة تدفع بأوطانهم إلى مكانة لائقة.
وتطرق شيخ الأزهر إلي مفهوم الجهاد وهو من المفاهيم التي يثار من حولها سجالا كبيرا، موضحا أن الاجتهاد الفردي فات أوانه، ولم يَعُد مُمكنًا الآن لتشتت الاختصاصات العلمية وتشابك القضايا بين علومٍ عدة.
وأوضح الطيب، أن تبني الأزهر للمذهب الأشعري لما فيه من العلاج الناجع لأمراض وعلل أصاب الفكر الديني، قائلا "المذهب الأشعري انعكاسٌ صادقٌ أمين لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، من يسر وبساطة في الدين".
وفيما يلي نص كلمة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ، وصلَّى الله وسلَّم وبارك على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه..
أيها السادة العلماء الأفاضل!
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته... ومرحبًا بكم في هذه الندوة التحضيرية البالغة الأهمية، والتي دعا إليها الأزهر الشريف تحت عنوان:
"الندوة التحضيرية لمؤتمر تجديد الفكر والعلوم الإسلامية"
هذه الندوة التي نرجو من الله تعالى أن تكون بداية موفقة، بينة المعالم واضحة المسالك والدروب، في موضوع «تجديد الفكر الديني» أو «تجديد الخطاب الديني» الذي يدور على ألسنة الكثير وأقلامهم في الآونة الأخيرة وعلى شاشات الفضاء وصفحات الجرائد، والذي يزداد غموضًا وإبهامًا والتباسًا من كثرة ما تناولته وسائل الإعلام، بغير إعداد علمي كاف لبيان فيه مفهوم التجديد، وتحديد ما هو الخطاب الذي يُراد له التجديد، وهل صحيح أن ما سموه بالخطاب الديني كان هو وحده أصل الأزمات التي يُعاني منها العالم العربي أمنيًا وسياسيًا، وكذلك التحديات التي تقف عائقًا أمام نهضته وتقدمه.
ويكفي دليلًا على هذا التخبط في تناول تجديد الخطاب الديني أنك تسمع بعض الأصوات التي تنادي بإلغاء الخطاب الديني جملةً وتفصيلًا، وتراه جزءا من الأزمة أو تراه هو الأزمة نفسها، وليس حلًّا لها، وهؤلاء لا يفصحون عن مقتضى دعوتهم هذه ولازمها المنطقي، وهو تحويل مؤسسة الأزهر إلى متحف من متاحف التاريخ، بكل تجلياتها العلمية والروحية والثقافي، وعبر أكثر من عشرة قرون، وبعد أن بات الغرب والشرق يُقرَّان بأنها أقدم وأكبر جامعة على ظهر الأرض.
وفي المقابل تسمع أصواتًا تنبعث من العُدوة القصوى لا تفهم من تجديد الخطاب الديني إلَّا العودة فقط إلى ما كان عليه سالف الأمة وصالح المؤمنين في القرون الثلاثة الأولى، وهؤلاء أيضًا يحلمون باليوم الذي يضعون فيه أيديهم على مؤسسة الأزهر ويَجْمدون برسالته وعلومه ودعوته عند حدود التَّعبُّد بمذهب واحد واعتقاد معين وأشكال ورسوم يرونها الدين الذي لا دين غيره، وهؤلاء يهددون سماحة هذا الدين الحنيف وشريعته التي تأسست على التعددية واختلاف الرأي في حرية لا نعرف لها نظيرًا في الشرائع الأخرى، وهؤلاء لا يطيقون أن يتسع الأزهر في عصره الحديث لما اتسع له عبر عشرة قرون من إجماع واتفاق على الأصول وقواطع النصوص وكليات الدين، فإذا تجاوز النظر هذه الأصول والقواطع والكليات فبابُ الاختلاف وحرية الرأي والأخذ والرد بين العلماء مفتوح على مصراعيه، وبوحي من هذا المنهج التعددي اتسعت أروقة الأزهر وكلياته – ولازالت تتسع ليوم الناس هذا - لدراسة المذاهب الفقهية السُّنيَّة وغير السُّنيَّة دراسة علمية، لا انتقاص فيها من مذهب ولا إغضاء من شأنه أو شأن أئمته، وبنفس هذا المنظور الذي يتسع للرأي والرأي الآخر، بل الآراء الأخرى، درَّس الأزهر للدنيا كلها مذاهب علم الكلام والأصول، وكل علوم التراث النقلي والعقلي، والأزهر وإن كان قد تبنى - منذ القدم – المذهب الأشعري وروَّجه في سائر أقطار المسلمين، فذلك لأنه وجد فيه العلاج الناجع لأمراضٍ وعللٍ أصابت الفكر الدِّيني، وبخاصة في القرنين الماضيين، بسبب فرض المذهب الواحد والرأي الواحد الذي قضى على مكمن القوة في أمة الإسلام ووضعها في ذيل قائمة الأمم، ومع تمسك الأزهر وعلمائه بالمذهب الأشعري فإنه يفسح المجال واسعًا لكل المذاهب الكلامية الأخرى، وينظر إليها بحسبانها مذاهب إسلامية تستظل بظلال الإسلام الوارفة التي يستظل بها كل من ينطق بالشهادتين ويصلي إلى القبلة ويأتي أركان الإسلام والإيمان.
والأزهر وهو يتبنى مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري فإنه لا يتبناه تعصبًا لمذهب ولا لإمام من الأئمة، ولكن لأن هذا المذهب لم يكن أمرًا مخترعًا أو مُحدَثًا في الدين، بل كان انعكاسًا صادقًا أمينًا لما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعوهم من يسر وبساطة في الدين: عقيدة وشريعة وأخلاقًا، وهذه قضية تخفى على كثير ممَّن يكتبون الآن عن المذهب الأشعري، وأعني بها أن الأشعري -رحمه الله – لم يخترع مذهبًا جديدًا كمذهب الاعتزال أو المذاهب الأخرى التي يسهل على الباحث أن يعثر فيها على أنظار ودقائقَ تصطدم اصطدامًا صريحاً بنصوص الكتاب والسُّنَّة.
وما فعله الأشعري هو صياغة مذهب عقدي ينصر فيه القرآن والسُّنَّة بدلالات العقول وببيان أنَّ نصوص الوحي تستقيم على طريق العقل الخالص إذا تجرَّد من شوائب الهوى ولجاج الجدل والأغاليط، يقول الإمام البيهقي فيما ينقله ابن عساكر: «لم يُحْدِث {الأشعري} في دينِ الله حَدَثًا، ولَم يأت فيه ببدعة، بل أخذ أقاويل الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الأئمة في أصول الدين، فنصرها بزيادة شرح وتبيين، وأن ما قالوا في الأصول وجاء به الشرع صحيح في العقول، خلاف ما زعم أهل الأهواء من أن بعضه لا يستقيم في الآراء».
السَّادة الفُضلاء!
لقد اتصل المسلمون بالغرب منذ أكثر من قرنين من الزمان وكانت هذه الفترة كافية ليقظتهم ويقظة العرب والمسلمين، ولوقوفهم الآن في مصاف دول كاليابان وغيرها من الدول التي نهضت بعد نهضة العالم العربي، ولكن ماكينة التكفير والإقصاء والجدل الكريه – والتي لم تتوقف آثارها المُدَمِّرة حتى كتابة هذه السطور - لم تترك لمفكري العرب ومثقفيهم وعلمائهم فرصة هادئة تمكنهم الانكباب على ترسيخ ثقافة تدفع بأوطانهم إلى مكانة لائقة بأمة تختزن أراضيها ثروات يحسدها عليها العالم، وتمتلك من الطاقة البشرية ما يمكنها – لو أرادت- من استثمار هذه الثروات.
انظروا أيُّها السَّادة العُلَمَاء الأجلَّاء إلى طواحين الهواء التي تستهلك جهدنا وطاقتنا، والتي يسهر لها الناس حتى مطلع الفجر، وابحثوا عن الموضوع لتجدوه أخيلة وأوهامًا وحربًا كلامية حول الزواج من الطفلة الصغيرة التي لم تبلغ الحلم... وإني لأتساءل: في أي قطر من أقطار العالم العربي والإسلامي أو أجد - مثالًا واحدًا للزواج من طفلة صغيرة لم تبلغ الحلم! وأين توجد هذه الظاهرة التي يستعر حولها النقاش والحوار، ومنذ متى كان المسلمون يزوجون الطفلة الصغيرة ويقيمون لها الأفراح ويزفونها إلى زوجها الكبير أو الشاب؟!
وفي أي كتاب من كتب تاريخ المسلمين أقرأ هذا التهويل؟ ومعركة حد الردة التي تبعث ن بطون الكتب للتهجم على التراث.. ألم يشاهد هؤلاء المتهجمون البرامج الفضائية التي يظهر فيها شباب مصري ملحد، يتباهون بإلحادهم، ويجادلون ما شاء لهم الجدل والحوار، ويكاثرون بجمعياتهم وأعدادهم؟! مَن مِن هؤلاء الملحدين أُقيم عليه حَد الردَّة أو مسَّه أحد بسوء. وأنا شخصيًا تحدثت في حلقات عدة عن «الإلحاد والملحدين» هل صدرت كلمة واحدة تطالب بتطبيق حد الردة على هؤلاء؟! إن هذه البرامج التي تقتل أوقات المصريين وتعبث بوحدة صفهم وبتركيزهم وانتباههم لما يُدبَّر لبلدهم، هذه البرامج تتعامل مع «أشباح» لا وجود لها على أرض الواقع في بلاد المسلمين، ومن المضحك أنْ يزعم لنا هؤلاء أنهم إنما جاءوا لتجديد الخطاب الديني، وأن العناية الإلهية بعثتهم ليجددوا لنا أمر ديننا هكذا في ثقة يحسدون عليها..
واعتذر لكم أيها السادة العلماء من هذا الاستطراد التي تبعثه شجون وآلام من جراء هذا الانفلات الذي تقف وراءه أجندات غريبة على الإسلام والمسلمين، تتوازى تمامًا مع أجندات التَّفجير والتَّدمير والنَّسف من الجذور، والمقصود من وراء ذلك وهو لا يخفى على كل ذي لب هو: ضرب الاستقرار وزرع بذور الفتنة والانقسام.. وهو هو أسلوب المستعمرين وعبثهم بمصر والعالم العربي منذ أكثر من قرنين من الزمان.
أما عن التَّجديد فإني أُلخِّص كلامي فيه فيما يلي:
إن التجديد هو خاصة لازمة من خواص دين الإسلام، نبَّه عليها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله الشريف: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا» ([1])، وهذا هو دليل النقل على وجوب التجديد في الدين، أما دليل العقل فهو أنَّنا إذا سَلَّمنا أن رسالة الإسلام رسالة عامَّة للنَّاس جميعًا، وأنها باقية وصالحة لكل زمان ومكان، وأن النُّصوص محدودة والحادثات لا محدودة.. فبالضَّرورة لا مفرَّ لك من إقرار فرضية التَّجديد آلة محتَّمة لاستكشاف حُكم الله في هذه الحوادث.
غير أنَّ الخلاف سُرعان ما دب في فهم المقصود من التَّجديد في الحديث الشريف، وهذا ما يجده الباحث في كتب الجلال السيوطي وغيره من المُحْدَثين أيضًا من قضايا مثل: تحديد رأس المائة، وما المراد بالتَّجديد؟ ومن هم المجددون؟ وهل المُجَدِّد واحد أو أكثر([2]).. والذي يهمنا هنا هو: ما المقصود من التَّجديد؟
إنَّ الأقدمين يُفَسِّرون التَّجديد المنصوص عليه في الحديث بأنه العودة إلى العمل بالكِتاب والسُّنَّة، وإزالة ما غشيها من البِدَع والضلالات، وهُنَا يأتي السؤال: هل التَّجديد الذي سنناقشه في مؤتمرنا الكبير إن شاء الله حول التَّجديد هو هذا المعنى البسيط الذي ذهب إليه القدماء مع الأخذ في الحسبان أن التَّجديد بهذا المعنى سوف يترك المشكلات المُعاصرة كما هي دون علاج ولا تحديد موقف شرعي تجاهها.. أو المطلوب الآن هو إمعان النظر في نصوص القرآن والسُّنَّة والأحكام الفقهية وإعادة قراءتها قراءة ملتزمة بكل القواعد التي حرص أئمة التفسير والحديث والأصول، بهدف تحديد الموقف الشرعي من القضايا المعاصرة المُلحَّة التي تتطلب حلًا شرعيًا يطمئن إليه العلماء والمتخصصون..
واسمحوا لي حضراتكم أن أتلو عليكم الإجابة التي أجبتها على هذا التساؤل منذ عشر سنوات تقريبًا في مؤتمرٍ لوزارة الأوقاف عن التجديد أيضًا، هذا ولابد من إعداد قائمة إحصائية بكبريات القضايا التي تطرح نفسها على السَّاحة الآن. وأرى أن تكون الأولوية للقضايا التي شكَّلت مبادئ اعتقادية عند جماعات التكفير والعنف والإرهاب المسلح، وهي على سبيل المثال لا الحصر قضايا: الجهاد – الخلافة – التكفير – الولاء والبراء – تقسيم المعمورة وغيرها..
ولا يقال: إن معظم هذه القضايا قد طرح من قبل في مؤتمرات عدة، وكان في الأزهر وغير الأزهر لأننا نقول إن المطلوب في مؤتمرنا القادم إن شاء الله بيان أو وثيقة تصدر بإجماع علماء المسلمين، أو إجماع ممثلين لعلماء العالم الإسلامي، سواء بالحضور والاشتراك المباشر، أو بما يفيد الموافقة كتابة.. ويصدر هذا البيان بالعربية، مع ترجمته إلى اللغات الحَيَّة كلها، ويُوزَّع على السفارات بشكل رسمي.
وأرى أن يكون الاجتهاد في توضيح هذه المسائل اجتهادًا جماعيًّا وليس فرديًّا، فالاجتهاد الفردي فات أوانه، ولَمْ يَعُد مُمْكِنًا الآن لتشتت الاختصاصات العلمية، وتشابك القضايا بين علوم عدة، كما أرى ضرورة تمثيل المجامع الفقهية في هذا المؤتمر، وحبذا لو كان التمثيل على مستوى رؤساء المجامع أوَّلًا قبل الأعضاء..
وأقترح أنْ ينعقد المؤتمر كل عام لمراجعة ما يُستَجَد على الناس في حياتهم وملاحقة متطلبات عصرهم.
وأنا أعلم أن مؤتمرًا يُراد له أن يخرج على هذه الصورة أمرٌ شاق، ولكنه سيكون سهلًا ميسورًا إن شاء الله إذا أُحسن تشكيل اللجان، وتوزيع الأدوار، وتقسيم العمل، وأعدكم ألَّا أبخل لا بوقتي ولا بجهدي، وأن أُقَدِّم كل ما تطيقه مؤسسة الأزهر الشريف من دعم مادي وأدبي ومعنوي.
شكرًا لحسن استماعكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته؛؛؛
تحريراً في : ... من رجب سنة 1436ه شيخ الأزهر
الموافق: ... من أبريل سنة 2015 م أحمد الطيب


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.