بعد مرور يومين على امتحانات الصف الأول الثانوي بالنظام الجديد “OPEN BOOK”، تشير التجربة إلى تفشي الفوضى وانتشار الشكاوى، ولا تزال ظاهرة تسريب الامتحانات مستمرة، ولم تفلح محاولات النظام الجديد في الحد منها بعد تسريب امتحان الأحياء، وتعهد وزارة التربية والتعليم بالتحقيق في الأمر. وأدى طلاب الصف الأول الثانوي، اليوم الإثنين، الامتحان في مادة الأحياء، بإجمالي عدد 581355 طالبا وطالبة. وانطلق الامتحان التجريبي الأول لطلاب الصف الأول الثانوي، أمس الأحد، وفقا لنظام الثانوية المعدل، الذي يرتكز على إلغاء الامتحان القومي الموحد، واستبداله ب12 امتحانًا تراكميًّا على مستوى المرحلة، بمعدل 4 امتحانات سنويًّا، وفي نهاية المرحلة يحتسب للطالب أعلى 6 امتحانات فقط. وسمحت الوزارة للطلاب بدخول الامتحان بالكتاب المدرسي، مؤكدة أن الصياغة الجديدة لأسئلة الامتحانات تقيس الفهم ومهارات التفكير العليا، وليس الحفظ والتلقين. ونظرا لتطبيق النظام المعدل للمرحلة الثانوية لأول مرة، قررت الوزارة عقد امتحانين تجريبيين لطلاب الصف الأول الثانوي، في يناير ومارس، لا يترتب عليهما النجاح أو الرسوب، كما اعتبرت الصف الأول الثانوي تجريبيًّا لا تضاف درجاته للمجموع التراكمي للمرحلة، ويشترط لانتقال الطالب للصف الثاني الثانوي النجاح في امتحان واحد من امتحانين يعقدان في نهاية العام الدراسي. وقد شكا الطلاب من مستوى امتحان اللغة العربية الذي تم أمس الأحد، مؤكدين أنهم لم يمكنوا من الاستفادة من الكتاب الذي اصطحبوه معهم داخل اللجنة، لأن الأسئلة جاءت بطريقة مختلفة وغير مباشرة وبعضهم اعتبرها من خارج المنهج، بينما جاء امتحان الأحياء سهلا في متناول معظم الطلاب. تسريب الأحياء! وكان طلاب بالصف الأول الثانوي قد أكدوا تسريب امتحان الأحياء الذي أدوه، اليوم الإثنين 14 يناير 2019م، قبل عقد الامتحان. وينقل موقع “مصراوي” عن الطالب محمد عيد، بمدرسة الخديوي إسماعيل، أنه اطلع على نموذج سُرِّب من الامتحان صباح اليوم، وحفظ إجاباته، وحينما دخل اللجنة فوجئ بأن الامتحان المسرب على مواقع التواصل الاجتماعي قبل بدء اللجان حقيقي. وهو ما أكده أيضا الطالب يوسف عادل، بأن الامتحان جرى تسريبه قبل بدء اللجان: “صحيت الصبح لقيت امتحان متسرب على فيسبوك قريته وعرفت الأسئلة ودخلت اللجنة لقيته هو”. وأوضح الطالب محمود عادل، بمدرسة الخديوي إسماعيل أن الامتحان تكوّن من 17 سؤالا، منها 10 أسئلة اختيارية و7 عبارة عن مقال طويل وقصير. وتعليقًا على تسريب “الأحياء”، أصدرت وزارة التعليم بحكومة الانقلاب بيانًا قالت فيه، إنه بعد إعداد الامتحانات بالمركز القومي في صورة ورقية، يجرى تسليمها بشكل مغلق وسري تماما إلى مديري التعليم الثانوي في المديريات التعليمية وعددها 27 مديرية، ويجرى طباعة الامتحانات في المديريات والإدارات. وفي محاولة للتقليل من تسريب الامتحان قال الدكتور طارق شوقي، وزير التربية والتعليم والتعليم الفني بحكومة الانقلاب، إن هناك تحقيقًا داخليًا يجري فى الوزارة بشأن ما تردد عن تسريب امتحان مادة الأحياء للصف الأول الثانوي، اليوم الإثنين. لكنه استدرك مضيفا أن الامتحانات الحالية للصف الأول الثانوي امتحانات “تدريبية” لن يتم احتساب درجاتها في المجموع الكلي، مشددا على أنه لن تكون هناك أية احتمالات لأي نوع من أي تسريب في الامتحانات الأساسية؛ لأنها ستكون إلكترونية من الألف إلى الياء!، ما يمثل اعترافا بطريقة غير مباشرة بالتسريب الذي جرى صباح اليوم. أزمة التقييم بيان الوزارة أثار لغطا كبيرا بشأن تقييم الإجابات، ففي محاولة البيان التقليل من التسريب الذي جرى، أوضح أن أسئلة الامتحانات بالنظام الجديد المعروفة ب”الكتاب المفتوح” غير تقليدية ولا تتبع الأسلوب المباشر القديم، ما يعني أن إجاباتها ليست موجودة نصًا في الكتاب، بل تعتمد على فهم الطالب والطالبة للمعلومة وقدرته على التعامل معها بطرق مختلفة. وأضاف أنه لا توجد إجابات نموذجية كتلك الموجودة في النظام القديم التقليدي القائم على الحفظ والتلقين. وهو ما يثير كثيرا من الشكوك حول عملية تقييم الامتحانات إذا كانت لا توجد إجابة نموذجية ما يعني أن الإجابات ستكون نسبية ما يفتح الباب على مصراعيه أمام الأخطاء والمجاملات والتقديرات الجزافية. المعلم أولا! وثمة تخوفات حقيقية من قدرة ما تسمى بمنظومة التعليم الجديدة على تحقيق الثمار المرجوة؛ لأنها ببساطة تخالف ما اتفقت عليه الغالبية العظمى من الدراسات فى مجال إصلاح التعليم التي تؤكد- بحسب الدكتورة “نادين عبد الله”- أن مفتاح الإصلاح يكمن فى المعلم وليس فى إدخال التكنولوجيا أو فى استحداث المناهج التعليمية. فهذه الأخيرة مهمة ومرحب بها لكنها تظل بلا معنى من دون معلم كفء فى مجال المواد الدراسية٬ وفى مجال علم التربية والتواصل مع الطلاب. ومن ثم٬ فإن الأولى هو الاستثمار فى المعلم لأنه حجر أساس العملية التعليمية: فهو الذى يدرس المنهج٬ وهو الذى يتفاعل مع عمليات التحديث والتكنولوجيا٬ وهو الذى يتواصل مع التلاميذ. وهو ما يعني أن أى تحسين فى المناهج الدراسية أو فى أساليب التعليم يتطلب تأهيلا مضاعفا للمعلم، وإلا فقدت هى معناها وجدواها. وهو ما يتطلب إعادة هيكلة الأجور والرواتب ورفع المستوى المادي للمعلم، وهو ما يرفضه نظام العسكر بحجة العجز في الموازنة وعدم توفر أموال. إضافة إلى ذلك، فإن كثافة الفصول التي تحتاج- بحسب تصريحات وزير التعليم- إلى 130 مليار جنيه لبناء 100 ألف فصل دراسي، وعدم تجهيز المدارس بشبكات الإنترنت، حيث تحتل مصر المرتبة “126” عالميا في جودة الإنترنت من بين “130” دولة. إضافة إلى عدم تسليم التابلت حتى اليوم، والذي كان يتوجب توزيعه في أكتوبر الماضي، كلها عوامل أسهمت في فشل منظومة التعليم الجديدة. تعزيز مافيا الدروس الخصوصية وبحسب خبراء ومحللين، فإن نظام الثانوية العامة التراكمي 3 سنوات و12 امتحانا تتم عبر الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر، يعنى ببساطة شديدة مضاعفة معاناة الأسرة المصرية مع الثانوية العامة 3 مرات، وجعل هذه المعاناة عرضًا مستمرًا للأسرة دون أى فترة راحة. وهو نفس ما تعرضت له الأسر المصرية على مدى أكثر من 15 سنة، عندما قرر وزير التعليم الراحل حسين كامل بهاء الدين تحويل الثانوية العامة من سنة واحدة إلى سنتين متصلتين، بدعوى تطوير التعليم ومحاربة الدروس الخصوصية. وكانت النتيجة هى القضاء التام على وجود المدرسة فى قاموس طالب المرحلة الثانوية ليحل محلها «السنتر» والمدرس الخصوصى، وتتحول حياة الأسرة التى لديها طالب فى الثانوية العامة إلى جحيم مقيم لمدة 24 شهرا متصلة. هذه هى التجربة التى عاشتها الأسرة المصرية، حتى ألغى برلمان الثورة في 2012م نظام السنتين والعودة إلى نظام السنة الواحدة؛ فما هى الضمانات التى يقدمها وزير التعليم حتى لا تتكرر المأساة بصورة مضاعفة لأننا الآن أمام ثانوية عامة 3 سنوات؟! وبحسب خبراء، فإن البدء بتغيير نظام الثانوية العامة دون أى مراعاة للظروف الموضوعية المحيطة بالتعليم والمجتمع ككل فى مصر، لا يعنى إلا أننا أمام فصل جديد من فصول التغيير الشكلى الذى لا يدفع ثمنه إلا المواطن البسيط؛ لأن السادة الكبار صناع القرار أرسلوا أولادهم وأحفادهم من البداية إلى «التعليم الأجنبى».